أنا ابن حربٍ ومعي مخراق
أضربهم بصارمٍ رقراق
إذ كرهَ الموت أبو إسحق
وجاشت النفسُ على التَّراق
قال ابن بري: وقياسُ مذهب الخليل حمل هذا على الإقواء وهو قبيح هنا. قلت: كأنه يريد أن القوافي لو أطلقت لكنت الأولى محركةً بالضم. والثانية والرابعة متحركتين بالكسر، والثالثة متحركة بالفتح ضرورة أن «إسحق» غير منصرف وهو مجرور فيجر بالفتحة، فيلزم اجتماع الفتح مع الضم والكسر وهو قبيح. فإن أراد هذا، وهو الظاهر، قلنا: غير المنصرف يجوز أن يجر بالكسرة للضرورة، فلم لا يجر هنا، على تقدير الإطلاق، بالكسرة للضرورة إذ هو محل ضرورة، وينتفي القبحُ على هذا التقدير. ثم قال ابن بري: وللعرب تصرفٌ واتساع في الرجز لكثرته في كلامهم في مواطن الحرب ومقامات الفخر والملاحاة. قال الزجاج: الرجز وزن يسهل في السمع ويقوم في النفس، ولذلك جاز أن يقع فيه النهك والجزء والشطر. قال: ولو جاء منه شعر على جزء واحد مقفى لا حتمل ذلك لحسن بنائه، كقول عبد الصّمد بنِ المعدل:
قالت خبلْ ماذا الخجلْ هذا الرجلْ حين احتفلْ أهدى بصلْ
فجاء بالقصيدة كلها على مستفعلن كما ترى، وهذا النوع لم يسمع منه شيء للعرب، وأقلُّ ما سمع لهم ما كان على جزأين، كقول دريد بن الصّمة يوم هوزان:
ياليتني فيها جذعْ ... أخبُّ فيها وأضعْ
انتهى كلام ابن يرى.
الرَّملُ
أقول: قال الخليل: سمي بذلك تشبيهًا له برمل الحصير أي نسجه. وقال الزجاج: بالرمل وهو سرعة السير. وقيل: لأن الرَّمل الذي هو نوع من الغناء يخرج على هذا الوزن، قال الصفاقسي: وهو أبعدها. وهو مبني في الدائرة من ستة أجزاء على هذه الصورة: فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن، فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن قال:
حبونك سحقًا مالك الخنس فاربعا ففي مقفراتٌ فعلتْ دوا
فصلت قضاها صلبرًا وهي أقصدت له واضحاتٌ دونها عذبَ القنا
أقول: الحاء من «حبونك» إشارة إلى أن هذا هو البحر الثامن، والباءُ إشارة إلى أن له عروضيين، والواو إشارة إلى أن ستة أضرب. فالعروض الأولى محذوفة، وشذ استعمالها تامة كقول الشاعر:
يا خليلي ّ اعذراني إنني من ... حبّ سلمى في اكتآبٍ وانتحابٍ
وعليه بني أبو الفتح البستى قوله:
ربّ ليلٍ أغمد الأنوار إلا ... نور ثغرٍ أو ندامي أو مدامِ
قد نعمنا بدياجيه إلى أن ... سلّ سيف الصبح من غمد الظلامِ
ولهذه العروض المحذوفة ثلاثة أضرب. الأول صحيح وبيته:
مثل سحق البرد عفَّى بعدك ... القطر مغناه وتأويبُ الَّشمالِ
فقوله «بعد كل» هو العروض، وزنه فاعلن، وقوله «بششمالي» هو الضرب، وزنه فاعلاتن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «سحقا» . الضرب الثاني مقصور وبيته:
أبلغ النعمان عنّى مألكًا ... أنه قد طال حبسي وانتظارْ
فقوله «مألكا» هو العروض، وقوله «وانتظار» هو الضرب، وزنه فاعلانْ. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «مألك» . الضرب الثالث محذوف مثلها وبيته:
قالت الخنساء لما جئتها ... شاب رأسي بعد هذا واشتهب
فقوله «جئتها» هو العروض، وقوله «وشتهب» هو الضرب، وزن كل منهما فاعلن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «الخنس&» ورخّم في غير النداء للضرورة. العروض الثانية مجزوءة صحيحة، لها ثلاثة أضرب مجزوءة: الأول مسبغ وبيته:
يا خليليَّ اربعا واستخبرا ربعًا بعسفانْ
فقوله «يرْبعًا وس» هو العروض، وزنه فاعلاتن، وقوله «عنبعسفان» هو الضرب، وزنه فاعلاتان، وبعضهم يعبر عنه بفاعليانْ. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «فاربعا» . زعم الزّجاج أن هذا الضرب موقوف على السماع قال: والذي جاء منه قوله:
لان حتَّى الو مشى الذرُّ عليه كاد يدميه
الضرب الثاني مثلها وهو المعرّي وبيته:
مقفراتٌ دارساتٌ ... مثلُ آيات الزبور
فقوله «دارساتن» هو العروض، وقوله «تززبورى» هو الضرب، وزن كلّ منهما فاعلاتن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «مقفرات» . الضرب الثالث محذوف وبيته:
ما لما قرت به العينان من هذا ثمن
1 / 65