فقوله «ريبهلعى» هو العروض، وقوله «ذا ثمن» هو الضرب، وزنه فاعلن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «ما لما» . وزعم الزجاج أنه لم يرو مثل هذا البيت شعرًا للعرب. قال ابن بري: يعني قصيدةً كاملةً. ثم زعم- أعني الزجاج- أن لهذا البحر عروضًا ثالثة مجزوءة محذوفة لها ضرب مثلها، وأنشد:
طاف يبغى نجوةً من هلاكٍ فهلكْ
وفيه كلام قد مضى في المديد. ويدخل هذا البحر من الزحاف ما دخل المديد، وهو الخبن ويستحسن، والكفُّ وهو صالح والشكل وهو قبيح. فبيت الخبن:
وإذا رايةُ مجدٍ رفعتْ ... نهض الصَّلتُ إليها فحواها
أجزؤاه كلها مخبونة. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «فصلت» . وبيت الكف:
ليس كلُّ من أراد حاجة ... ثم جدّ في طلابها قضاها
أجزاؤه إلا الضرب مكفوفة. وأشار إلى هذا بقوله «قضاها» وبيت الشكل:
إنّ سعدًا بطلٌ ممارسٌ ... صابرٌ محتسبٌ لما أصابهْ
جزآه الثاني والخامس مشكولان، وفيهما الطرفان. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «صابرًا»، ويدخل الخبن أيضًا في الضرب المقصور، وبيته:
أقصدت كسرى وأمسى قيصرٌ ... معلقًا من دونه بابُ حديدْ
فقوله «بحديدْ» هو الضرب، وزنه فعلانْ. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «أقصدت» . ويدخل أيضًا الخبن في الضرب المسبغ. وبيته:
واضحاتٌ فارسيّا ... تٌ وأدْمٌ عربياتْ
فقوله «عربيات) هو الضرب، وزنه فعلاتانْ، أو فعليانْ على الرأيين السابقين. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «واضحات» . وهنا انقضت الدائرة الثالثة وهي دائرة المجتلب على الصحيح كما مر.
السريع
أقول: قال الخليل: سمي سريعًا لأنه يسرع على اللسان. وقيل: لأنه لما كان في كل ثلاثة أجزاء منه لفظ سبعة أسباب، لأن أول الوتد المفروق لفظه لفظ السبب، وكانت الأسباب أسرع من الأوتاد، سمي سريعًا لذلك. قال ابن بري: وهذا معنى قول الخليل. وهو مبنيّ في الدائرة من ستة أجزاء على هذه الصورة: مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ، مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ قال:
طغى دون شامٍ محولٌ لا لقيل ما به النشر في حافات رحلى قد نما
أردْ من طريفٍ في الطريق وفاءه ولا بدّ إن أخطأت من طلب الرضا
أقول الطاء من «طغى» إشارة إلى أن هذا هو التاسع من البحور، والدال من «دون» إشارة إلى أن له أربع أعاريض، والواو إشارة إلى أن له ستة أضرب. قال الشريف: «وينبغي أن يكون ضبط «طغى» بضم الطاء وكسر الغين، لأن الياء ملغاة، ولا يصح إلغاء الألف يوقع في الالتباس، إذ قد يتوهم القارئ أنها عبارة عن العروض وأن عروض هذا البحر واحدة، وأما الياء فلا تقع مع إلغائها التباس لأنه قد أخبر قبل أن غاية ما يبلغ به عدد الأعاريض أربع، وذلك قوله قبل هذا: «وغايتها سين فدال»، إذ الدال هنالك عبارة عن أقصى ما يبلغ إليه عدد الأعاريض» انتهى. قلت «طغى» فعل لازم، فإن جعل مبنيًا للمفعول لم يكن النائب عن الفاعل في بيت الناظم إلا الظرف، وهو قوله «دون شام»، وفيه نظر، لأن هذا الظرف نادر التصرف، والظرف النائب عن الفاعل لا بد أن يكون متصرفًا على المختار. فإن قلت: بناؤه للفاعل يستدعى كونه بالألف فيقع الإلباس المحذور كما قال الشارح فكيف السبيل إلى دفعه؟ قلت: هذا الفعل فيه لغتان إحداهما طغى طغوا، بفتح الطاء والغين وبعدها ألف منقلبة عن واو، فالإلباس على هذا التقدير متوقع، الثانية «طغى» طغيانًا بفتح الطاء وكسر الغين وياء بعدها، فإنما يكتب على هذا الوجه بالياء، ولك على اللغة الطائية أن تفتح الغين فتنقلب الياء ألفًا على حد قولهم في «بقى»، بقى، «ورضى» رضى. فإما أن يضبط ما في كلام الناظم على اللغة الثانية ويكون إسكان الياء ضرورةً، وإما أن يضبط بفتح الطاء والغين ويكتب بالياء بناءً على أنه من ذوات الياء وبناؤه على فعل بفتح العين على اللغة الطائية، ويزول الإلباس على هذا باعتبار الخط، فتأمله. العروض الأولى مطوية مكشوفة لها ثلاثة أضرب: الأولى مطوى موقوف، وبيته:
أزمانَ سلمى لا يرى مثلها ... الراؤن في شامٍ ولا في عراقْ
1 / 66