الرابع: أن العروض والضرب منهو كان والجزء الثالث زيد في الضرب كما يزاد فيه الترفيل والتذييل، واعترض بأن الزيادة على الآخر لم توجد بأكثر من سبب خفيف. الخامس أن العروض مجزوءة، أي ذهب منها جزءٌ واحدٌ فبقيت جزأين، والضرب منهوكٌ، أي ذهب منه جزآن وبقي جزء واحد. وتحريره أن هذه الأجزاء الثلاثة الموجودة منها جزآن بقية النصف الأول والجزء الثالث بقية النصف الثاني، فيكون صدر البيت دخله الجزء وعجز البيت دخله النَّهكُ، وعليه فتكون العروض هي الجزء الثاني والضرب هو الجزء الثالث، وفيه مخالفة النظير. السادس عكسُ هذا، أي نهك الصدر، فالعروض هي الجزء الأول وجزئ العجز فالضرب هو الجزء الثالث، وفيه مامر. السابعُ: أن المشطور نصف بيتٍ لا بيتٌ كامل، فحينئذ لا مشطور في التحقيق عند أصحاب هذا القول وإليه ميل ابن الحاجب، واعترض بمجيء بعض قصائده غير مزدوحة، ولو كانت مصرعةً لزم ازدواجها، وهو واضحٌ إن ثبتت الرواية في شيءٍ من قصائد هذا النوع أنه جاء غير مزدوج. وأما المنهوك ففيه أقوالٌ أحدها كالأول في المشطور، أي يجعل الجزآن كلاهما عروضًا وضربًا ممتزجين. وقيل الجزء الأول عروضٌ والثاني ضرب. وقيل كلاهما ضربٌ بلا عروض. وقيل العكس. وقيل مصرعٌ من العروض الثانية وضربها. ولا يخفى ما في الأقوال من المؤخذات. والأخفش يجعل المشطور والمنهوك من قبيل السجع، ولا يجعلها شعرًا البتة، ويحتج بأن النبي ﷺ تكلم بهما وهولا يقول الشعر. وأجيب بأن من شروط الشعر القصد إلى وزنه على ما مر، وهو ﵇ لم يقصد الوزن، وبأنه قد جاء في بعض كلامه ﷺ ما هو على تام الرجز، فيلزم أن لا يكون شعرًا. وقد تقدم القول فيه أول الكتاب. وردّ الزجّاج قول الأخفش بأن الكلمة الواقعة على وزن قطعة من الأبيات المنهوكة والمشطورة لا يكون شعرًا حتى يكثر ويتكرر، وأما إذا يتكرر فليست شعرًا. قلتُ: يريد بهذا ما جهل فيه قصد قائله إلى الوزن لا يحمل على الشعر إلا إذا كثر وتكرر، فإن القرينة حينئذ تكون دالةً على قصد قائله للوزن فيكون شعرًا، وأما إذا لم يتكرر فلا قرينة تدلّ على القصد، فلمْ يجعل شعرًا لذلك. أما إذا فرض أن قائلًا قصد الوزن عل نمط المشطور والمنهوك من أول الأمر ولم ينظم منه غير بيت واحد لأطلقنا عليه الشعر لتحقق القصد فيه إلى الوزن، فتأمله. التنبيه االثاني: استدرك بعضهم للرجز عروضًا أخرى مقطوعةً ذات ضرب مماثل لها، وأنشد على ذلك:
لأطرقنَّ حضهمْ صباحًا ... وأبركنَّ مبركَ النعامهْ
وكذلك حكوا جواز القطع في المشطور وجعلوا منه:
يا صاحبي رحلى أقلا عذلى
والخليل رخمه اله يجعل هذا من السريع كما سيأتي، إلا أنهم اتفقوا على جواز استعمال القطع مع التمام في ضرب الأرجوزة المشطورة إجرلء للعلة مجرى الزحاف، كقول امرأةٍ من جديس:
لا أحدٌ أذلُّ من جديس ... أهكذا يفعل بالعروس
يرضى بهذا يا لقومي حرُّ ... أهدى وقد أعطى وسيق المهر
لخوضهُ بحر الردى بنفسه ... خيرٌ من أن يفعل ذا بعرسهِ
وعليه قول لآخر:
والنفس من أنفس شيءٍ خلقا ... فكنْ عليها ما حييت مشفقا
ولا تسلط جاهلًا عليها ... فقد يسوق حتفها إليها
قال ابن بري: وهذا أكثر ما يستعمله المحثون في الأراجيز المشطورة المزدوجة. قال: ولقائلٍ أن يقول إن كل شطرين من ذلك شعرٌ على حدته، إلا أنه لا يسمى قصيدةُ حتى ينتهي إلى سبعة أشطار فما زاد. قلت: الذي يظهر لي في هذا أن يجعل كلّ شطرين من ذلك شعرًا على حدته، ولا يجعل ذلك كله قصيدةً واحدة وإنْ تجاوزت الأبيات سبعةً، لأنهم لا يلتزمون إجراءها على روي واحد ولا على حركة واحدة، بل يجمعون فيها بين الحروف المختلفة المخارج بالقرب والبعد والحركات الثلاث، لا يتحاشون ذلك ولا اختلاف أوزان الضرب، وإنما يلتزمون ذلك في كلّ شطرين، فهو جعلنا الكلّ قصيدة واحدة للزم وجود الإكفاء والإجازة والإقواء والإصراف في القصيد الواحدة، وتكررُ ذلك فيها، وتلك عيوبٌ يجب اجتنابها، وهم لا يعدون مثل ذلك في هذه الأراجيز عيبًا، ولا تجد نكيرًا لذلك من العلماء، فدلّ على ما قلناه. ثم قال ابن بري: وحكي بعض العروضيين جواز استعمال الحذذ والتسبيغ في مشطور الرجز، أنشد البكري:
1 / 64