زكت دهرها دار بها القلب جاهدٌ ... وقد هاج قلبي منزلٌ ثم قد شجا
فياليتني من خالد ومنافهم ... أرى ثقلًا لا خير فيمن لنا أسا
أقول: الزاي من «زكت» إشارة إلى أن هذا البحر هو البحر السابع. والدال من «دهرها» إشارة إلى أن له أربع أعاريض، والهاء التي تليها إشارة إلى أن له خمسة أضرب.
العروض الأولى صحيحة لها ضربان الأول مثلها وبيته:
دارٌ لسلمى إذا سليمى جارةٌ ... قفرٌ ترى آياتها مثل الزبر
فقوله «ماجارتن» هو العروض، وقوله «مثلززبر» هو الضرب، وزنٌ كل منهما مستفعلن، وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «دار» .
الضرب الثاني مقطوع وبيته:
القلبُ منها مستريحٌ سالمٌ ... والقلبُ مني جاهدٌ مجهودُ
فقوله «حن سالمن» هو العروض. وقوله «مجهودو» هو الضرب، وزنه مفعولن، كان مستفعلن فقطع بحذف النون وإسكان اللام فصار مستفعل فنقل إلى مفعولن، وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «القلب جاهد» .
العروض الثانية مجزوءة صحيحة لها ضرب واحد مثلها وبيته:
قد هاج قلبي منزلٌ ... من أم عمرو مقفرُ
فقوله «بينمزلن» هو العروض وقوله «رنمقفرو» هو الضرب، وزن كل منهما مستفعلن، وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «قد هاج قلبي منزل» .
العروض الثالثة مشطورة وضربها مثلها وبيته:
ما هاج أحزانًا وشجوًا قد شجا
فقوله «ونقد شجا» وزنه مستفعلن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «قد شجا» .
العروض الرابعة منهوكة وضربها مثلها وبيته:
يا ليتني فيها جذع
فقوله «فيها جذع» وزنه مستفعلن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «فياليتني» .
ويدخل هذا البحر الزحاف الخبن وهو صالح، والطي وهو حسن، والخبل وهو قبيح.
فبيت الخبن:
وطالما وطالما وطالما ... كفى بكف خالدٍ مخوفها
أجزاؤه كلها مخبونة إلا الجزء الرابع. هكذا قال ابن برى، وزعم أن الرواية فيه «كفى» بفتح الكاف وتشديد الفاء، قال: ولا معنى له، والصواب «كفى» بضم الكاف وتخفيف الفاء من الكفاية، وسكنت الياء فيه ضرورة، وإنما كان هذا صوابا لثلاثة أوجه: الأول أن له معنى صحيحًا حسنًا، وعلى الرواية الأولى لا معنى له، والثاني أن فيه ضربًا من البديع وهو التجنيس، الثالث أن يكون هذا الجزء مخبونًا كسائر الأجزاء وهو اللائق بما جرت العادة به من تحري دخول الزحاف في جميع الأجزاء. انتهى كلامه. وأشار الناظم إلى هذا الشاهد بقوله «خالد» .
وبيت الطي:
ما ولدتْ والدةٌ من ولدٍ ... أكرمَ من عبد منافٍِ حسبا
أجزاؤه كلها مطوية، وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «ومنافهم» .
وبيت الخبل:
وثقلٍ منعَ خيرَ طلبٍ ... وعجلٍ منعَ خيرَ تؤدهْ
أجزاؤه كلها مخبولة، وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «ثقلا»، ويدخل الضرب الثاني الخبن، وبيته:
لا خير فيمن كف عنا شره ... إنْ كان لا يرجى ليوم خير
فقوله «مخيري» هو الضرب، وزنه فعولن، دخل مفعولن الخبن بحذف الفاء فصار معولن فنقل إلى فعولن، وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «لا خير فيمن» .
(تنبيهان) الأول: للعروضيين في البيت المشطور سبعة مذاهب: الأول أنه عروض وضرب مماثل لها إذ لا توجد عروض بلا ضرب، ولا عكس، لكن لما تعذر انفصالهما جعل البيت كله عروضًا نظرًا إلى أنه نصف الدائرة، وضربًا نظرًا إلى الالتزام بتقفيته. قلت: والظاهر أن هذا هو رأي الناظم، فتأمل. واستشكل هذا القول بأن كون الشطر ضربًا يقتضى التزام تقفيته وكونه عروضًا لا يقتضى ذلك، فتكون تقفيته ملتزمة وغير ملتزمة وهو تناقض، ولا يدفعه اختلاف الجهتين لتلازمهما.
قلت: وأيضًا فالنظر إلى كونه نصف الدائرة لا يقتضى جعله بكماله عروضًا، على المختار في تفسير العروض، ولا النظر إلى التزام تقفيته يقتضى جعل النصف كله ضربًا، فتأمل.
القول الثاني: أن الثلاثة الأجزاء كلها ضرب لا عروض له، وهو رأى ابن القطاع، ورجحه بالتزام تقفيته، وفيه ما مر مع مخالفته للنظير.
الثالث: أنه عروض لا ضرب لها، ورجح بأن الضرب مأخوذ من الشبه، وحينئذ تعذر جعله ضربًا لانتفاء ما يشبهه فوجب جعله عروضًا، وفيه ما تقدم مع مخالفته النظير.
1 / 63