فإن صح ذلك كان قدحًا في حكاية المنع عنه في قبض ما عدا الجزء الأول، أو يكون له في ذلك قولان. وحكى أبو الحكم عن الزجاج أنه أجاز قبض أجزائه كلها، وأجاز أيضًا قبض ضربه على كراهية. قال: لما فيه من اللبس بين مجزوء الوافر والرجز ثم قال: وإذا جاء لم يستنكر، لأن ما قبل البيت وما بعده يفرق بينه وبينهما. قال الصفاقسي: ولقائلٍ أن يمنع أن العلة في امتناعه اللبس حتى يكون مجيئه غير مستنكر لما ينتموه. ولم لا يجوز أن يكون علة امتناعه ما يؤدي إليه من أن تكون حركاته المتوالية أكثر من حركات عروضه المتوالية، ألا ترى أنهم التزموا قبض عروض الطويل لهذا. قللت: هذا ليس بمستقيم، أما أولًا فلأنه مصادمةٌ للمنقول بمجرد الاحتمال، وذلك لأن المحكىَّ عن الزجاج أنه كره قبض عروض الهزج خيفة التباسه بالرجز وبالوافر المجزوء والمعصوب، نقله ابن بري عنه، وهذا ليس محلّ معز وأما ثانيًا فلأن العلة التي أبداه غير معتبرة عندهم في باب الزحاف إجماعًا. ألا ترى أن مستفعلن في ضرب الرجز يجوز أن يطوي وان يخبل وإنْ سلمت عروضه من الزحاف أصلًا، والخفيف يجوز خبن ضربه وإن لم تزاحف العروض، وإنما اعتبر ذلك من اعتبره فيما ليس من قبيل الزحاف الحائز وليس الكلام فيه. ثم قال الصفاقسي: وحكى أبو الحكم عن الخليل أنه اعتلّ في منعه قبض العروض والجزء الذي بعدها بما يؤدي إليه ذلك من التباس هذا البحر بمربع الرجز المخبون. قال: وياتبس أيضًا بمربع الوافر المعقول. قال الصفاقسي: وانظر هذا مع تعليل الزجاج كراهية قبض الضرب يقتضيان جواز عقل عروض الوافر، وإلا كانت سلامتها فاصلةً فلا لبس.
قال: ورده الأخفش بأن التزام سلامة الضرب تفصل، وعندي فيه نظر. لأنه ضربه وإن كان سالمًا فلا يفصل بينه وبين مجزوء الوافر المعصوب إذا عقلت أجزاء بيته، لأن وزنه حينئذ مفاعلين كضرب هذا البحر.
قال الصفاقسي: والحق من جوابه أنه إن لم يكن قبل البيت ولا بعده ما يبينه فالمرجح لحمله على الهزج قائم، فإن مفاعلن فيه أصلية وفي الرجز فرع عن متفعلن وفي الوافر مفاعتن، والحمل على الأصلي أولى.
قلت: هذا بالباطل أشبه منه بالحق. وذلك لأن شاعرًا لو قال:
وشادنٍ سبى الورى بحسنه ولطفه
ولم يكن قبل هذا ولا بعده لم يرتب في أن كل جزء منه يحتمل أن يكون أصله مفاعلين حذفت ياؤه بالقبض، أو مستفعلن حذفت سينه بالخبن، أو مفاعلن حذفت لامه بالعقل. وكون مفاعيلن إذا قبض صار على صيغة مفاعلن ولا ينقل منها إلى صيغة، ومستفلعن إذا خبن صار متفعلن فينقل إلى صيغة مفاعلن، ومفاعلتن إذا عقل صار مفاعتن فينقل إلى مفاعلن، لا يقتضى ترجيحًا المحمل على الهزج، فإن الاعتبار بالاحتمال في الموزون، وهو ثابت قطعًا غير أن المرجح لحمله على الهزج دون ثابت من جهة أخرى غير هذه الجهة، وهي أن الحمل على الهزج إنما يلزم عليه حذف ساكن، وحمله على الوافر يلزم عليه حذف متحرك، أو ساكن وحركة على الاختلاف في تفسير العقل، والأول أخف فتعين المصير إليه، فلا وجه أصلًا لحمله على الهزج دون الرجز أو على الرجز دون الهزج لفقدان المرجح. فتأمل.
(تنبيه) حكى الأخفش أن للهزج ضربًا ثلثًا مقصورًا وبيته:
وما ليثًُ عرينٍ ذو ... أظافير وأسنان
أبو شبلين وثابٌ ... شديد البطش غرثان
هكذا روى بإسكان النون. قالوا: والخليل يأبى ذلك. وينشده على الإطلاق والإقواء على نحو ما سبق في الطويل. وقد مر ما فيه.
وحكى أبو بكر القللوسي أن له عروضًا محذوفة لها ضرب مثلها. وأنشد:
سقاها الله غيثًا ... من الوسمى ريا
وهو في غابة الشذوذ قال:
الرجز
أقول: قال الخليل: سمي رجزًا لاضطرابه، والعرب تسمى الناقة التي ترتعش فخذاها وجزاء. قال أبو حاتم: الرجز داء يصيب الإبل في أعجازها. فإذا نهضت ارتعش فخذاها، وأنشد:
هممت بخير ثم قصرت دونه ... كما ناءت الرجزاء شد عقالها
وقال ابن دريد: سمي رجزًا لتقارب أجزائه وقلة حروفه. وقيل: لأن أكثر ما تستعمل منه العرب المشطور الذي على ثلاثة أجزاء، فشبه بالراجز من الإبل وهو الذي إذا شدت إحدى يديه بقي على ثلاثة قوائم.
وهو مبنى في الدائرة على ستة أجزاء هكذا: مستفعلن مستفعلن مستفعلن، مستفعلن مستفعلن مستفعلن قال:
1 / 62