وهذا كله شاذ لا يعرفه الخليل. وأقبح من ذلك ما حكى من استعماله مخما كقوله:
قومٌ يمصون الثمادَ وآخرون نحورهم في الماءِ
الهرج
أقول: قال الخليل: سمى هرجًا تشبيهًا له بهرج الصوت. قلت: كأنه يريد بهزج الصوت تردده. قال بعضهم: وإنما كان ذلك لأن أوائل أجزائه أوتاد يتعقب كلًا منها سببان خفيفان. وهذا ما يعين على مد الصوت. يقال ذباب هزج أي مصوت، ومنه هزج الرعدأي صوته. وقيل سمي هزجًا لصيبه. لأن الهزج من الأغاني وفيه ترنم. يقال منه: هزج وتهزج.
وهو مبنى في الدائرة من ستة أجزاء على هذه الصورة: مفاعلين مفاعلين مفاعلين، مفاعلين مفاعلين مفاعلين قال: وأبدأ بسهب الضيم بأسًا يذودهم كذاك ولو ماتوا فموسى امرؤٌ دنا أقول: الواو إشارة إلى أن هذا البحر هو السادس من البحور. والألف إشارة إلى أن له عروضًا واحدة. والباء إشارة إلى أن له ضربين. ولم يستعمل هذا البحر إلا مجزوءًا. وشذ مجيئه تامًا. أنشد منه بعضهم:
عفا يا صاح من سلمى مراعيها ... فظلت مقلتي تجري مآقيها
ومنه قوله:
ترفق أيها الحادي بعشاق ... نشاوى قد تعاطوا كأس أشواق
وقول بعض المولدين:
لقد شاقتك في الأحداج أظعان ... كما شاقتك يوم البين غربان
وقول الآخر:
أما في الست والسنين من داعٍ ... إلى العقبى، بلى لو كان لي عقلُ
وهذا كله شاذ، والمسموع التزام الجزء فيه كما تقدم. فالعروض صحيحةٌ وضربهها الأول مثلها، وبيته:
عفا من آل ليلى السه ... ب فالأملاح فالغمرُ
فقوله «لليلسسه» هو العروض وقوله «حفلغمرو» هو الضرب، وزن كل منهما مفاعلين، وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «سهب» .
والضرب الثاني محذوف وبيته:
وما ظهرى لباغي ... الضيم بالظهر الذلول
فقوله «لباغضضى» هو العروض وقوله «ذلولي» هو الضرب. وأشار إلى هذا الشاهد قوله «الضيم» .
ويدخل هذا البحر القبض وهو قبيح، والكف وهو حسن. ويدخل الجزء الأول الخرم والشتر والخرب. فبيت القبض:
فقلتُ لا تخف شيأً ... فما عليك من باس
جزؤه الأول والثالث مقبوضان. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «بأسا» وبيت الكف:
فهذان يذودان ... وذا من كثبٍ يرمى
أجزاؤه كلها ما عدا الضرب مكفوفة. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «يذودهم» .
وبيت الخرم:
أدوا ما استعاروهُ ... كذاك العيشُ عاريهْ
فقوله «أذدومس» مخروم وزنه مفعولن، كان مفاعلين فحذفت ميمه بالخرم فصار فاعيلن فنقل إلى مفعولن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «كذاك» .
وبيت الشتر:
في الذين قد ماتوا وفيما خلفوا عبره
فقوله «فللذي» وزنه فاعلن حذفت ميمه بالخرم وياؤه بالقبض. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «ماتوا» . وبين الخرب:
لو كان أبو موسى أميرًا ما رضيناه
فقوله «لو كان» وزنه مفعول، حذفت ميمه بالخرم ونونه بالكف فصار فاعيل فنقل إلى مفعول. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «موسى» . وأكثر العروضيين ينشده «لو كان أبو بشر»، والشريف أنشده «أبو موسى»، وعليه عوّل الناظم. فينبغي تحرير الرواية فيه. قال ابن بري: أجمع علماء هذا الشأن على امتناع القبض في ضرب الهزج. وقال الزجاج: زعم الخليل ﵀ أن ياء مفاعيلن في عروض الهزج لا تحذف وكذاك في الجزء الذي قبل الضرب، فعلى هذا لا يقبض في الهزج إلا الجزءُ الأول خاصة. قلت: قد صرّح ابن بري بأن الخليل ﵀ أنشد شاهدًا على قبض مفاعيلن في الهزج البيت المتقدم، وهو قوله:
فقلت لا تخفْ شيأَ ... فما عليك من باسِ
1 / 61