الكامل
أقول: قال الخليل: سمي بذلك لاجتماع ثلاثين حركةً فيه لم تجتمع في غيره. وقال الزجاج: لكمال أجزائه بعدد حروفها. يعني أنها استعملت كما في الدائرةز فإن قلت: الرجز والخفيف كذلك، قلت: يعلم جوابه مما مر. وهو مبني في الدائرة من ستة أجزاء على هذه الصورة: متفاعلن متفاعلن متفاعلن، متفاعلن متفاعلن متفاعلن. قال:
هجرتَ طلًا تصحو خبالًا برامتى ... أجشّ لأنتَ اللّذْ سبقتهمُ إلى
بمختلف الأمر افتقرتَ وأكثروا ... وعبسٌ يذبُّ الصمّ عن تامر ولا
نقلهمُ عن حدَّةٍ فابتأست والش ... قاءُ مخافٍ لم تجدْ فادغًا كفى
أقول: الهاء من «هجرت» إشلرة إلى أن هذا البحر هو خامس البحور. والجيم إشارة إلى أن له ثلاث أعاريض. والطاء من قوله «طلا» إشارة أن له تسعة أضرب. العروض الأولى صحيحة ولها ثلاث أضرب، الأول مثلها وبيته:
وإذا صحوتُ فما أقصِّر عن ندىً ... وكما علمت شمائلي وتكرّمي
فقوله «صرعنْ ندنْ» هو العروض وقوله «وتكررمي» هو الضرب، وزن كلّ منهما متفاعلن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «تصحو» الضرب الثاني مقطوع وبيته:
وإذا دعونكَ عمهنّ فإنه ... نسبٌ يزيدكُ عندهن خبالا
فقوله «نفئننهو» هو العروض، وقوله «نخبالا» هو الضرب، وزنه فعلاتن. كان متفاعلن فقطع فصار متفاعلْ، فنقل إلى فعلاتن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «خبالا» . الضرب الثالث أحذُّ مضمر، وبيته:
لمن الديار برامتينِ فعاقلٍ ... درست وغيّر آيها القطرُ
فقوله «نفعا قلن» هو العروض، وقوله «قطرو» هو الضرب، وزنه فَعْلُنْ. حُذف الوتد من متفاعلن وأسكنت تاؤه فصار «متفا» فنقل إلى فعلن بإسكان العين. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «برامتي» .
العروض الثانية حذّاء لها ضربان الأول مثلها، وبيته:
لمن الديار عفى معالمها ... هطلٌ أجشُّ وبارحٌ تربُ
لمن الديار عفى معالمها ... هطلٌ أجشُّ وبارحٌ تربُ
فقوله «لمها» هو العروض وقوله «تربو» هو الضرب، وزن كل منهما فعلن بتحريك العين، كان متفاعلن فبقى «متفا» فنقل إلى فعلن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «أجش» .
الضرب الثاني أحذّ مضمر، وبيته:
ولأنتَ أشجعُ من أسامةَ إذْ ... دعيت نزال ولجَّ في الذعر
فقوله «متئذ» هو العروض، وقوله «ذعرى» هو الضرب. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «لأنت» .
العروض الثالثة مجزوءة صحيحة، ولها أربعة أضرب. الأول مجزوء مرفل وبيته:
ولقد سبقتهم إلى ... فلم نزعت وأنت آخر
فقوله «تهمو إلى» هو العروض، وزنه متفاعلن، وقوله «تو أنت آخر» هو الضرب، وزنه متفاعلاتن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «سبقتهم إلى» . وفيه حذف المجرور وبقاء حرف الجر.
الضرب الثاني مذيل، وبيته:
جدثٌ يكون مقامه ... أبدًا بمختلف الرياح
فقوله «نمقامهو» هو العروض، وزنه متفاعلن، وقوله «تلفر رياح» هو الضرب، وزنه متفاعلان. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «بمختلف» الضرب الثالث مجزوء معرى وبيته:
وإذا افتقرت فلا تكن ... متخشعًا وتجمل
فقوله «تفلاتكن» هو العروض، وقوله «تجمملى» هو الضرب، وزن كل متفاعلن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «افتقرت» .
الضرب الرابع مقطوع وبيته:
وإذا هم ذكروا الإسا ... ءة أكثروا الحسنات
فقوله «ذكر لإسا» هو العروض، وقوله «حسناتي» هو الضرب، وزنه فعلاتن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «أكثروا» .
وقد كتب الجليل على هذا الضرب وعلى الضرب الثاني من العروض الأولى: ممنوعٌ إلا من سلامة الثاني أو إضماره. يعني أنهما لا يجوز فيهما غير الإضمار أو السلامة منه. أما السلامة فلأنها الأصل، وأما الإضمار فلأنه في هذا البحر حسن، وما سوى ذلك لا يحتمل مع ما دخله من القطع. ويدخل هذا البحر من الزحاف الإضمار وهو حسن، والوقص هو صالح، والخزل وهو قبيح، فبيت الإضمار:
إني أمرؤ من خير عبسٍ منصبى ... شطرى وأحمى سائري بالمنصل
أجزاؤه كلها مضمرة، وأشار إلى هذا الشاهد بقوله «وعبس» .
فإن قلت: يلتبس هذا البحر عند إضماره ببحر الرجز، قلت بينه ما قبله وما بعده، كما في هذه القصيدة فإن أولها:
1 / 59