أقول: مقتضى هذا الكلام أن تكون العلة عبارة عن التغيير الذي لا يكون في ثواني الأسباب، وعلى ذلك مشاه الشريف. فإن قلت لا نزاع في أن القصر من العلل، وهو حذف ساكن السبب قطعًا، فيلزم أن لايكون علةً، وهو باطل، قلت: هو وإن كان فيه تغيير ثاني السبب بإسقاطه لكن ليس هذا تمام مسماه، وإنما مسماة تغيير ثاني السبب بحذفه، وتغيير أوله بإسكانه. والمراد بقولهم: الزحاف تغيير ثاني السبب أنه تغيير الثاني فقط، فزال الإشكال.
فإن قلت: من خاصة العلة لزومها حيث وقعت، وقد عد الناظم الخزم، بالزاي، من علل الزيادة فيلزم على هذا أن يكون لازمًا وهو باطل، قلت: قد يتخلف اللزوم بعارضِ. وهذا كذلك، ضرورة أن هذه الزيادة خارجةٌ عن وزن البيت. وفي عبارة الناظم ما يقتضي عدم اللزوم، فإنه حكم على هذا النوع من العلل بالقبح، بل جعله أقبح ما يرى. ولا يتأتى القول بذلك مع لزومه. وقسم الناظم العلة إلى زيادةِ ونقصِ. وسيأتي تحقيق ذلك. وقوله (فرقًا) مفعولٌ لأجله، والعامل فيه (ادع) أي سم ما لم يمض من التغيرات علةً وما مضى منها زحفًا ليحصل الفرق بين اللقبين، فترتب على كل حكم مقتضاه. قال:
فزد سببًا خفا لترفيل كاملً ... بغايته من بعد جزءِ له اهتدى
أقول: قد سبق أن العلة على قسمين: زيادة ونقص، فقدم الناظم أقسام النقص من حيث أن جميع حروف الجزء مع الزيادة باقيةٌ لم يذهب منها شيء ولا كذلك مع النقص. وللأول على الثاني مزية. إذ تقرر ذلك فمن أنواع الزيادة الترفيل، وهو زيادة سبب خفيف على آخر الضرب من مجزوء الكامل. والمراد بالغاية هو الضرب، وكلامه واضح. والترفيل في اللغة إطالة الذيل. يقال ذيل مرفل أي مطول، ومنه قولهم: فلان يرفل في ثوبه، للذي يجر ذيله زهوًا. ولما كانت هذه الزيادة هي أكثر زياده تقع في الآخر سمي ترفيلًا. قال:
ومجزوء هج ذيله بالسكن ثامنِ ... وسبغ به المجزوء في رمل عرا
أقول: التذييل زيادة حرف ساكن على وتد مجموع في آخر الجزء، ويدخل في الضربين المجزوءين من بحرين هما الخامس، وهو بحر الكامل المشار إليه بالهاء من (الهجا)، والثالث وهو بحر البسيط المشار إليه بالجيم. والمراد بالسكن ذو السكن، وهو السكون، أي الحرف الساكن، (وثامنًا) حال من المجرور فيصير (متفاعلن) في الكامل (متفاعلان) و(مستفعلن) في البسيط (مستفعلان) قال ابن بري: وإنما آثروا زيادة النون دون ما عداها من الحروف قياسًا على زيادة التنوين في آخر الاسم لأنها نون في اللفظ، وتزاد في آخر الاسم بعد كماله، كما أن هذه زيدت في آخر الجزء بعد كماله، ولما كانت النون المزيدة ساكنةً، كانت النون الأصلية قبلها كذلك، والتقى ساكنان، إبدل من النون الأولى الأصلية ألفًا كما تبدل النون الخفيفة والتنوين ألفًا في الوقف، لأن الساكنين يجوز اجتماعهما إذا كان أحدهما حرف مد، لأن ما فيه من المد يقوم مقام الحركة. والتذيل، ويقال الإزالة أيضًا، مأخوذٌ من ذيل الثوب والفرس وغيره، شبه الحرف ازائد به. والتسبيغ زيادة حرفِ ساكن على سبب خفيف من آخر الجزء ولا يكون إلا في المجزوء من بحر الرمل، ويقال فيه أيضًا الإسباغ، لأنه مصدر أسبغه إذا أطاله. يقال ذيل سابغ أي طويل، فلما كان هذا الحرف يطيل الجزء سمي إلحاقه به إسباغًا وتسبيغًا على صبيغة بناء التكثير.
فإن قلت: ماذا أراد الناظم بقوله (عرا)؟ قلت: كأنه ينظر من طرفِ خفى إلى ما حكى عن الزجاج من أن هذا الضرب من الرمل قليلٌ جدًا، وأنه موفوف على السماع، فكأنه يقول وسبغْ بالحرف الثامن الساكن المجزوء من الرمل حالةً كونه قد (عرا) أي نزل به من حيث سماعه من العرب، وإلا فحقه أن يزاد لأنه لم يكثر كثرةً يقاس عليها كما اتفق لغيره من ضروب الزيادة، فتأمله وحرره.
قال:
وإن زدت صدر الشطر مل دون خمسةِ ... فذلك خزم وهو أقبح ما يرى
أقول: الخزم هو زيادة حرفِ إلى أربعة في أول البيت، وحرفِ أو حرفين في أول العجز. سميت هذه الزيادة خزما بالزاي تشبيهًا لها بخزم البعير، وهو أن تجعل في أنفه حزامةٌ، والعلاقة بينهما الزيادة الموصلة إلى المراد. وما أحسن قول السراج الوراق:
وقائلِ قال لي ومثلي ... يرجع في مثل ذا لمثله
لم خزم الشعر قلت حتى ... يقاد قسرًا لغير أهله
1 / 30