وأكثر ما يجيء الخزم في أول البيت. ومجيئه في أول النصف الثاني قليل. ولم يجيء فيه بأزيد من حرفين. قال الصفاقسي: ووجه مجيئه فيه أن البيت قد يكون مصرعًا، فكأن أول نصفه الثاني أول البيت. قلت: وفيه نظر.
ووجهه بعضهم بأنه لما جاز في أول العجز الخرم، بالراء، وهو النقصان جاز فيه الخزم، بالزاي، ليكون الشطط له تارةً وعليه أخرى. واعترض بأن تعليل جواز الخزم بالحمل على جواز الخرم ليس أولى من العكس. ووجه أيضًا بشبهه أوائل الأبيات بقطع ألف الوصل فيه. واعترض بتوجه السؤال في ألف الوصل كما في الخزم.
إذا تقرر ذلك فكلام الناظم معترض من جهة أن قوله (صدر الشطر) أعم من أول النصف الأول وأول النصف الثاني ضرورة أن (صدر الشطر) صادقٌ على كل منهما. والخزم بما دون خمسة الذي هو صادق بأربعة أحرف إنما يكون في أول الشطر الأول ولا يكون في أول العجز إلا بحرف أو بحرفين خاصة، فمثال مجيئه في الأول بحرف واحد قوله:
وكأن أبانًا في أفانين ودقه ... كبير أناسِ في بجادِ مزملِ
خزم بحرف واحد، وهو الواو.
ومثاله بحرفين قوله:
بامطر بن ناجيةً بن سامة إنني ... أجفى وتغلق دوني الأبواب
خزم بحرفين وهما الياء والألف.
ومثاله بثلاثة قوله:
لقد عجبت لقومِ أسلموا بعد عزهم ... إمامهم للمنكرات وللغدر
خزم بثلاثة أحرف، وهي قوله: (لقد) .
ومثاله بأربعة أحرف قوله:
اشدد حياز يمك للموت ... فإن الموت لا قيكا
خزم بأربعة أحرف، وهي قوله (اشدد) .
ومثاله أول العجز بحرف واحد قوله:
كلما رابك مني رائبٌ ... ويعلم الجاهل مني ما علم
خزم بالواو من قوله (ويعلم) .
ومثاله فيه بحرفين قول طرفة:
هل تذكرون إذ نقاتلكم ... إذ لا يضر معدمًا عدمه
خزم في الصدر بهل وفي العجز بإذ. ر يقال: (لا نسلم أن هذا البيت مخروم لا في الصدر ولا في العجز لجواز أن يكون من الكامل، وعروضه هذا وضربه كذلك، ودخل الجزء الذي هو أول الصدر الإضمار، وكذا أول العجز، ودخل جزئي الحشو من المصراعين الوقص، لأنا نقول يصد عن ذلك قوله في القصيدة التي منها هذا البيت:
للفتى عقلٌ يعيش به، حيث تهدى ساقه قدمه
وهذا من المديد قطعًا، فتعين أن يكون باقي القصيدة كذلك، وتعين أيضًا القول بالخزم في البيت المستشهد به كما ذكر.
فإن قلت: قد جاء الخزم بأكثر من أربعةِ أول البيت كقول الشاعر:
ولكنني علمت لما هجرت أني ... أموت بالهجر عن قريب
فقوله (ولكنني) كله خزم، وهو ثمانية أحرف إن روى بنون الوقاية، وسبعةٌ إن روى بدونها، وعلى كل تقدير فيرد على الناظم، قلت: هو من الشذوذ بحيث لا يلتفت إليه ولا يعول عليه. وقوله (وهو أقبح ما يرى) قال الشريف: يريد أن الخزم قبيح جدًا، ولذلك لا يجوز المولد استعماله. قلت: ظاهر قول ابن الحاجب (وخزمهم جائزٌ وهو زيادةُ حرف أولًا، وإلى أربعة قبلًا) أن الخزم جائز، وأنه مقبول عند الأئمة. فإذًا لا مانع للمولد من استعماله، وإن كان تركه أولى بكل حال.
قال الصفلقسي: وزعم بعض الناس أن الخزم ليس عيبًا بخلاف الخرم وهو النقص، لخروج الزيادة عن البيت فلا يخل بالوزن. قال؛ وفيه نظر، فإن الخزم بالحرف الواحد، والوقوف عليه، والابتداء بما بعده، متعذرٌ لشدة طلبه له، وكذا إذا وقع حشوًا. قال: والأولى ما قاله أبو الحكم: (إن الكلمة المخزوم بها إن أمكن الوقوف عليها ووقعت وسط البيت كانت عيبًا لإخلالهما بالوزن، فإن وقعت أوله لم تكن عيبًا لخروجها عن البيت بإمكان الوقوف عليها، وإن لم يمكن الوقوف عليها كان الخزم بها قبيحًا، إلا أنه في حشو البيت أقبح لارتباطه بما قبله. ثم هي إما منفصلةٌ، أو في حكم المنفصلة، وانفصالها، وانفصالها أكثر. وكيف ما كان فدخوله في جميع البحور جائز) .
هذه عبارته، قلت: ولعدم اختصاص الخزم ببحر دون بحر كما ذكره أطلق الناظم حيث قال (صدر الشطر) فلم يقيده ببحر ففهم عدم الاختصاص.
1 / 31