له: يا بني أيسرك أني أبوك؟ قال: أما أبي فلا أرى به بدلًا، ولكن يسرني أنك أمي، فأفحمه حتى غص بريقه، وزعم قوم أن هذه الحكاية إنما وقعت مع كثير.
ومر يومًا بمضرس الفقعسي، وهو غلام حديث السن، ينشد الناس شعره فحسده على ما سمعه منه، فقال له بعد كلام طويل فيه تعريض وتصريح: أدخلت أمك البصرة؟ وفهم عنه مضرس ما أراد، فقال: كلا ولكن أبي! ورجع إلى إنشاده فاستحيا الفرزدق، حكى ذلك شيخنا أبو عبد الله، وإنما أراد الفرزدق أنها إن دخلت البصرة فقد وقعت عليها فأنت ابني، قال مضرس: بل أبي وقع على أمك.
ومثل هذا بعينه عرض للفرزدق مع الحطيئة؛ فإن الحطيئة قال له وقد سمعه ينشد شعرًا أعجبه: أنجدت أمك؟ قال: بل أنجد أبي!! ونظم ذلك جرير، ونعاه عليه، وادعى أنه صحيح فقال:
كان الحطيئة جار أمك مرة ... والله يعلم شأن ذاك الجار
من ثم أنت إلى الزناء بعلة ... بأشر شيخ في جميع نزار
لا تفخرن بغالب ومحمد ... وافخر بعبس كل يوم فخار
وكان يزعم أن الحطيئة جاور لينة بنت قرطة فأعجبته فراودها فوقع عليها وزوجها أخوها العلاء غالبًا أبا الفرزدق وقد تبين حملها فولدت الفرزدق على فراشه.
واحتذى هذا الحذو سواء أبو السمط مروان الأصغر بن أبي الجنوب بن مروان أبي حفصة فقال يهجو علي بن الجهم بن بدر:
لعمرك ما الجهم بن بدر بشاعرٍ ... وهذا علي بعده بصنع الشعرا
ولكن أبي قد كان جارًا لأمه ... فلما تعاطى الشعر أوهمني أمرا
والشاعر أولى من كف منطقه، وأقال عثرات اللسان؛ لما رزق من القدرة على الكلام، والعفو من القادر أحسن، وبه أليق " ولمن انتصر بعد ظلمه فاؤلئك
1 / 79