وهذا مثل قول الصيني الشاعر لبعض الأعراب وقد أنشد عبد الله بن طاهر بحضرته شعرًا، فقال له الأعرابي: ممن الرجل؟ فقال: من العجم، قال: ما للعجم والشعر؟ أظن عربيًا نزا على أمك، قال: فمن لم يقل منكم الشعر معشر العرب فإنما نزا على أمه أعجمي!! فسكت الأعرابي.
وأنشد أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ فقال:
وللشعراء ألسنة حداد ... على العورات موفية دليله
ومن عقل الكريم إذا اتقاهم ... وداراهم مداراة جميله
إذا وضعوا مكاويهم عليه ... وإن كذبوا فليس لهن حيله
والأبيات لأبي الدلهان. ولأمر ما قال طرفة:
رأيت القوافي تتلجن موالجًا ... تضايق عنها أن تولجها الإبر
وقال امرؤ القيس:
وجرح اللسان كجرح اليد. ومع ذلك كله فلا ينبغي للشاعر أن يكون شرسًا، ولا حرجًا عريضًا؛ لما يدل به من طول لسانه وتوقف الناس عن مخاشنته.
فهذا الفرزدق كان شاعر زمانه ورئيس قومه، لم يكن في جيله أطرف منه نادرة، ولا أغرب مدحًا، ولا أسرع جوابًا: اجتاز بنسوة وهو على بغلة فهمزها فحبقت، فتضاحكن، وكان عريضًا، فقال: ما يضحككن وما حملتني أنثى قط إلا فعلت مثل هذا؟ قالت إحداهن: فما صنعت التي حملتك تسعة أشهر؟ فانصرف خجلًا.
ومر به رجل فيه لين، فقال له: من أين أقبلت عمتنا؟ فقال: نفاها الأغر بن عبد العزيز، فكأن الفرزدق صب عليه الماء؛ لأنه عرض له بقول جرير فيه حين نفاه عمر بن عبد العزيز من المدينة:
نفاك الأغر بن عبد العزيز ... وحقك تنفى من المسجد
وكان الفرزدق مرة ينشد، والكميت صبي، فأجاد الاستماع إليه، فقال
1 / 78