============================================================
رد إلى وصول الأعمال حرا من رق القلب فلا يحجبه الحق عن الخلق ولا الخلق عن الحق. وذلك لأن النفس حجاب ظلماني يحجب عن الحق بالخلق أعتق منه الشيخ أولا المحب أولا المغلوب عليه بالحال آخرا، والقلب حجاب نوراني يحجب عن الخلق بالحق لاقتصار نظره على الوجود العلوي، وقد أعتق منه الشيخ الثاني، فلا يحجبه شيء عن شيء، فلا يغلب عليه الحال
فضلا عن النفس. وإذا أعتق عن القلب والحال صار لربه خالصا، وإذا صار له من غير تقييد بشيء عبد الله حقا يقينا وآمن به صدقا من غير حجاب، فيكمل في ذلك حتى يستتبع آعضاؤه وقواه. وحينئذ يسجد لله سواده الذي هو جسمه وخياله الذي هو نفسه وباقي المعاني الباطنة بالعبادات الظاهرة والمساعي الباطنة، وحينثذ يؤمن بالله فؤاده إيمان اعتقاد عن المشاهدة والمعاينة ويقر بذلك الاعتقاد لسانه كما قال رسول الله في بعض سجوده: "اسجد لك سوادي وخيالي، وآمن بك فؤادي وآقر لك لساني، وها أنا ذا بئن يديك يا غافر الذنب العظيم"(1). بل لا يتخلف عن العبودية منه مقدار شعرة من باطنه وظاهره لغلبة النورانية عليهما حتى تصير عبادته مشاكلة لعبادة الملائكة، فتصير بمحض اللذة وتعم جميع ب أجزائه { ولله يشجد من فى الشمدوات والأرض طوعا وكرها وظللهم بالغدو والاصال ) [الرعد: 15]، أي ولله يسجد من في السماوات من الأرواح والقلوب وجنودهما والأرض من النفوس وقواها طؤعا من القلوب والأرواح، وكرها من النفوس، لكن السجود على وفاق طبع الأولين دون النفس وإن صارت بالعرض مطمئنة.
(1) رواه البزار في مسنده بسند جيد كما قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (2: 152)، وهو في البحر الزخار للبزار الحديث رقم (2043)، ورواه أبو يعلى في مسنده (4: 177).
صفحة ٦٤