ولا ضير من إباحة التدخين، والأطعمة المنوعة، والملابس الخارجية، على أن يكون ذلك كله مزية يكافأ بها المستقيم، ويحرمه المقصر والمسيء، بل هذه المزايا خليقة أن توفر للحراس والرقباء أسباب العقوبة الزاجرة المعقولة، وهي حرمان السجين بعض المزايا المشتهاة إذا أساء وخالف النظام، بدلا من معاقبته بالجلد، والمشقة، والإعنات.
فقد رأيت كثيرا من السجناء يباهون بالقدرة على احتمال الجلد والمشقة، ولم أر سجينا واحدا يستخف بأكل الخبز والقفار ولزوم العزلة والحبس عن الرياضة، فإذا كثرت المزايا كثرت الرغبة فيها والاجتهاد في تحصيلها، وكثرت وسائل العقوبة الأدبية التي تليق ببني الإنسان، وقلت الحاجة إلى العقوبات البهيمية التي ترهق البدن ولا تصلح النفس، بل تعودها الفخر بما هو أدعى إلى المهانة.
والسجناء في سجون سيبريا وجزيرة الشيطان وأمثالها من سجون أمريكا الشمالية والجنوبية ينامون على أسرة خشبية، ولا ينامون على الأرض كما ينام جميع السجناء المصريين ما عدا المرضى والمحكوم عليهم في المحاكم المختلطة، فلماذا يجبر السجين المصري على الرقاد فوق «البرش» والأسفلت وهو لا شك فراش لا تحتمله بنية الهزيل المهدد بالأمراض، ولا تؤمن غوائله في الشتاء؟ إن الرقاد على لوح من الخشب ليس من الترف في شيء، ولكنه أصح وآمن وأدنى إلى الكرامة والتهذيب، فما نحن بحاجة إلى تعليم الفقراء المصريين فضيلة النوم على التراب!
هذه التحسينات كلها ميسورة لمصلحة السجون المصرية، ولها أن تظل على يقين أنها تستطيع توفيرها جميعا، ثم يبقى السجن بعد ذلك سجنا يخيف من يخاف ويهذب من يتهذب، بل يبقى سجنا ومدرسة ومستشفى! وهي الأماكن الثلاثة التي تعودنا أن نهرب منها ونحن صغار ونحن كبار!
صفحة غير معروفة