[الحج]
وإن كان ترك الحج وهو يقدر عليه حتى أدركه الموت، فليتب إلى الله جل ثناؤه من تفريطه، وليعزم على الحج، وليحج إن قدر عليه، وإن لم أوصى أن يحج عنه، فقد قال بعض العلماء ذلك. وقال بعضهم لا يحج عن أحد كما لا يصلى عن أحد، ولا يصام عن أحد، لأن تلك حقوق الله جل ثناؤه، أمر عباده أن يتولوها بأنفسهم، فإن لم يقدروا عليها عذرهم ولم يكلفهم غير هذا.
وأما ما كان من حقوق الناس فيما بينهم في أبدانهم، وأموالهم، فعليهم أن يخرج بعضهم إلى بعض منها، ويعطي عنه إذا قدروا عليها .
وإن أوصى أن يحج عنه فحسن عندنا وهو أحوط.
وعلى المرتدين من الإسلام إذا تابوا مع ما ذكرنا من الظلم للناس في أبدانهم وأموالهم ومن الديون قبل ارتدادهم وفي ارتدادهم، ثم أسلموا أن يتوبوا إلى الله جل ثناؤه من ذلك كله، ويؤدوا الحقوق إلى أهلها كما يفعل المقرون، لأن حكمهم في ذلك غير أحكام أهل الحرب، لأنه لا قصاص بين أهل الإسلام وأهل الحرب.
فعلى العبد مما وصفنا من هذه الذنوب التوبة النصوح، وقد جعل الله جل ثناؤه لهم إليها السبيل.
التوبة النصوح هي الندم على ما كان من الذنوب، وتركها والإستغفار منها وترك الإصرار عليها، والعزم على أن لا يعود أبدا إليها، فتلك التوبة المقبولة، يقبلها التواب الرحيم.
فرحم الله عبدا اتقى الله في نفسه، وتطهر بالتوبة قبل الموت والفوت، ولم تغره الحياة الدنيا، ولم يغره بالله الغرور.
وليبادر بالتوبة قبل أن يسألها فلا يجاب إليها، قال جل ثناؤه :{ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما، وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما } [النساء:17 - 18]. والتوبة قائمة مبذولة مقبولة، من حيث يواقع العبد الذنب إلى قبل حضور أجله بطرفة عين، أو أقل.
صفحة ٢٩١