[المعاصي فعل الإنسان وتزيبن الشيطان]
فمن أحسن فليحمد الله جل ثناؤه، إذ أمره بالخير وأعانه عليه، ومن أساء فليذم نفسه فهي أولى بالذم، وليضف المعصية إذ كانت منه إلى نفسه الأمارة بالسوء، وإلى الشيطان إذ كان بها آمرا ولها مزينا، كما أضافها الله جل ثناؤه إليه، وأضافها الأنبياء صلوات الله عليهم والصالحون حين عصوا الله إلى أنفسهم، قال آدم وحواء صلوات الله عليهما حين عصيا في أكل الشجرة: { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } [الأعراف:23]. فأخبر سبحانه أن الشيطان دلاهما بغرور، ثم حذر أولادهما من بعدهما إعذارا إليهم، وتفضلا عليهم، فقال: { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة } [الأعراف:27].
وقال موسى صلوات الله عليه حين قتل النفس: { هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين } [القصص:15]. وقال: { رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم } [القصص:16].
وقال يونس صلوات الله عليه وهو في بطن الحوت تائبا من ظلمه لنفسه، ومقرا بذنبه { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } [الأنبياء:87]. وقال غيرهم من الأنبياء صلوات الله عليهم نحو ذلك، وقال الصالحون نحو ذلك عند زلتهم. فنقول كما قال أنبياؤه ورسله صلوات الله عليهم، وكما قال الصالحون من عباده، فنضيف المعاصي إلى أنفسنا، وإلى الشيطان عدونا، كما أمرنا ربنا، ولا نقول كما قال القدريون المفترون: أن الله جل ثناؤه قدر المعاصي على عباده، ليعملوا بها وأدخلهم فيها، وأرادها منهم وقلبهم فيها كما تقلب الحجارة، وشاءها لهم وقضاها عليهم حتما، لا يقدرون على تركها. وأنه في قولهم يغضب مما قضى، ويسخط مما أراد، ويعيب ما قدر، ويعذب طفلا بجرم والده، وأنه يحمد العباد ويذمهم بما لم يفعلوا، ويجزيهم بما صنع بهم، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
صفحة ٢٦٠