ودخل الملك الحجرة غاضبا وتبعه رجاله، وجعلوا ينظرون إلى جثة الكاهن والنفساء المرتعبة بعيون من زجاج ... إلا الأمير رعخعوف فلم يلهه شيء عن هدفه، وأشفق من ضياع الفرصة السانحة فاستل سيفه من غمده ورفعه بقوة في الهواء، وهوى به على الطفل ... إلا أن الأم أدركت بغريزتها غرضه، فألقت بسرعة البرق نفسها على طفلها ... ولكنها لم تمنع القضاء، فأطاح السيف رأسها ورأس الطفل بضربة جبارة واحدة ...
ونظر الأب إلى ابنه ونظر الابن إلى أبيه، وغلبهما وجوم شديد، لم ينقذهما منه إلا الوزير خوميني إذ قال: فليتفضل مولاي بمغادرة هذا المكان الدامي.
وخرجوا جميعا وهم سكوت .
واقترح الوزير على مولاه أن يشدوا الرحال إلى منف ليبلغوها قبل جثوم الليل، ولكن الملك قال: إني لا أفر كالمجرمين، ولكن سأدعو كهنة رع وأقص عليهم قصة الأقدار التي ختمت بفاجعة رئيسهم البائس، ولن أعود قبل ذلك إلى منف.
6
سارت العربة على خطى الثورين البطيئة تقودها زايا، فقطعت طريق أون في ساعة من الزمان، ثم اجتازت باب المدينة الشرقي وانحرفت إلى الطريق الصحراوي الذي يؤدي إلى قرية سنكا، حيث يقيم أصهار سيدها الكاهن.
وما كانت زايا تستطيع أن تنسى تلك الساعة الرهيبة التي أحاط بها الجند فيها يسألونها، ويمعنون النظر في وجهها، ولكنها تشعر - فخورا - بأنها حافظت على رباطة جأشها رغم هول الموقف، وأنها أقنعتهم بثباتها فتركوها تسير بسلام، وآه لو أنهم علموا بما تحمل عربتها!
وإنها لتذكر أنهم جنود أشداء، ولن تنسى ما حييت عظمة ذلك الرجل الذي يتقدمهم ولا هيبته ولا جلاله، حتى لكأنه تمثال إله ودبت فيه حياة إنسانية.
ولكن يا للعجب! لقد أتى ذلك الرجل الجليل لقتال طفل لم ير نور الدنيا إلا هذا الصباح!
وهنالك نظرت إلى الوراء لترى سيدتها، ولكنها وجدتها كما أنامها سيدها الكاهن تحت الصوان ... يا لها من امرأة بائسة لم يدر بخلد إنسان أنها تنام هذه النومة الشنعاء، وهي نفساء! وما كان زوجها العظيم يحلم بتلك المتاعب التي ساقتها الأقدار بين يدي طفله، ولو تكشف له الغيب ما تمنى الأبوة، ولا تزوج من السيدة رده ديديت التي تصغره بعشرين عاما!
صفحة غير معروفة