ولكنها أحست بحسرة وحزن، وتنهدت قائلة: ليت الرب يهب لي غلاما، ولو يحمل إلي مولده بؤس الدنيا جميعا!
كانت زايا زوجا عاقرا تذهب نفسها حسرات على طفل تتمناه على الآلهة، كما يتمنى الأعمى رؤية النور، وكم استشارت من أطباء، وكم سألت من سحرة، وكم لجأت إلى الحشائش والعقاقير دون جدوى أو أمل، وكانت إلى ذلك تشفق من يأس زوجها كاردا، الذي يحزنه أشد الحزن أن يرى العمر يتقدم به عاما بعد عام، دون أن يوهب غلاما يحبو في داره ويدفئ صدره بالأمل والخلود، وقد ودعها آخر مرة وهو يشد الرحال إلى منف حيث يشتغل في بناء الأهرام - وهو ينذرها بالزواج مرة أخرى إذا هي لم تلد. وانقضى على سفره شهر وشهران وعشرة أشهر، وهي ترقب نفسها وتتحسس آيات الحمل ساعة بعد ساعة، ويوما بعد يوم دون جدوى، وبلا أدنى أمل، رباه! لماذا تحرمها الآلهة الأمومة! وما حكمة خلقها امرأة إذن؟ إذ ما امرأة بلا أمومة؟ إن امرأة بلا أمومة كخمر بلا نشوة، أو وردة بلا رائحة، أو عبادة بلا إيمان فوا يأساه!
وعند ذاك سمعت صوتا ضعيفا ينادي زايا فأسرعت إلى الصوان ورفعته ووضعته جانبا، ورأت سيدتها والطفل في حضنها نائما، وكانت متعبة مجهدة والاصفرار يعلو وجهها الأسمر الجميل فسألتها: «كيف حالك يا سيدتي؟» فأجابتها بصوتها الضعيف: بخير بفضل الأرباب ... أما من خطر يتهددنا الآن يا زايا؟
فقالت الخادمة: اطمئني يا مولاتي لقد بعد الخطر عنك وعن مولاي الصغير.
فتنهدت المرأة تنهدا عميقا وسألتها: هل يبقى أمامنا سفر طويل؟
فقالت زايا برقة: يبقى أمامنا مسير ساعة على أقل تقدير ... والأولى لك يا سيدتي أن تنامي في حمى الرب رع.
فتنهدت المرأة والتفتت إلى الطفل النائم، وقد اكتسى وجهها الشاحب الفتان بالمحبة والحنان، ثم أغمضت عينيها طلبا للنوم. ومضت زايا تنظر إليها وإلى الطفل، تنظر إلى صورة الأمومة الحلوة السعيدة رغم الآلام والمخاوف ... ما أجمل منظرهما! ألا ليتها تذوق الأمومة ولو مرة واحدة! مرة واحدة ولو تدفع حياتها ثمنا لها!
رباه! لا الرب يرحم ولا الطب ينفع ولا كاردا يعذر ... ولعله لا يفوت وقت طويل قبل أن تضحى مطلقة شريدة تعاني آلام الوحدة وعذاب العزوبة!
وحولت زايا نظرها عن الأم السعيدة إلى الثورين وتنهدت قائلة: لو كان لي مثل هذا الطفل؟ لو آخذ هذا الطفل وأصطنعه ابنا بعد أن أبت علي الآلهة ابنا طبيعيا!
ولم تكن تضمر بقولها سوءا ولكنها تمنت، والنفس تتمنى المستحيل، وتتمنى ما تمتنع عن فعله خوفا أو رهبة أو إشفاقا.
صفحة غير معروفة