الباب الثالث والثمانون: في ضرب الدف
(قال الفقيه) رحمه الله: اختلف الناس في ضرب الدف في العرس، قال بعضهم: لا بأس به، وقال بعضهم: يكره. فأما من قال لا بأس به فقد ذهب إلى ما روت عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((أعلنوا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف)) وروى محمد بن حاطب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((الفصل بين الحلال والحرام ضرب الدف ورفع الصوت في النكاح)) وقال محمد بن سيرين: أنبئت أن عمر رضي الله تعالى عنه كان إذا سمع صوت الدف أنكره وسأل عنه فإن قالوا عرسا وختانا أقره، وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه دخل عليها وعندها جاريتان تلعبان بالدف في يوم عيد وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فزجرها وقال لها أتفعلين هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس؟ فقال صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا)) وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها ((أنها كانت في عرس فلما رجعت قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم هل قلت شيئا؟ قالت: نعم، قلت:
أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم
فلولا العجوة السوداء ... لما كنا بواديكم
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((هلا قلت فلولا طاعة الرحمن لما كنا بواديكم)) وروى عكرمة أن عباسا ختن بنيه فدعا المغنين فأعطاهم خمسة دراهم.
وأما من قال بأنه يكره فقد ذهب على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كل لهو للمؤمن باطل إلا ثلاثة: تأديبه فرسه، ورميه عن قوسه، وملاعبته مع أهله)) وروى أبو بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنه لما رجع من غزوة له جاءته امرأة فقالت إني نذرت أن أضرب بالدف عندك إذا رجعت من غزوتك سالما؟ فقال لها إن كنت فعلت هذا فافعلي وإلا فلا، فقالت يا رسول الله إني فعلت، يعني نذرت، قال فاضربي فضربت فدخل أبو بكر رضي الله تعالى عنه وهي تضرب فدخل عمر رضي الله تعالى عنه فطرحت الدف وجلست مقنعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني لأحسب أن الشيطان يفر منك يا عمر)) فقوله صلى الله عليه وسلم ((إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا)) ينهى عن الضرب من غير نذر فيه دليل أنه لا يجوز ضربه. والجواب عن الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدفوف)) فإنما هذا كناية عن إظهار النكاح فلم يرد به ضرب الدفوف بعينها.
(قال الفقيه) رحمه الله تعالى: أما الدف الذي يضرب في زماننا هذا مع الصنجات والجلاجلات فينبغي أن يكون مكروها بالاتفاق وإنما الاختلاف في الدف الذي كان يضرب في الزمن المتقدم، والله أعلم.
صفحة ٣٦٥