الغربان البقع، فأصبت واحدا بستان قائما، فرميته عليه فصاده، بعد أن عمل عليه ما لا تعلمه الاجلام بالفقاق من المراوغة وحسن الطلق. وما رأيت قط افره منه على الغربان البقع، وكان ذلك عند مغيب الشمس وقد ذكرنا كيف يضري من أول الوقت الذي يؤخذ فيه إلى أن يبلغ هذا المبلغ.
وإنه كان لنا باشق يعرف بباشق ابن حوفيه، وكان يكون على يد أمير المؤمنين صلى الله عليه، وهو يتحدث في موكبه، فكان بعض البيازرة يصيح وقد طار طير الماء، اعني الفرافير، فيرمي بالباشق، وما هو مستو للإرسال، فيصعد معها أبدا في السماء حتى يحملها، وهذا ما لم ير مثله قط على الفرافير.
ومن إطلاقه المعجزة أن مولانا صلى الله عليه رأى ليلة فرافير في بركة فأراها للباشق ثم ستره عنها، وأنزله بعد ذلك فجاء الباشق فوقف على الأرض لما ضلت منه، فقال صلى الله عليه أريكم شيئا مليحا، وضربنا الطبول فقلع الباشق رجله من الأرض، وصاد منها واحدة، وهذا ما لم أر مثله من باشق كان لي يصيد البيضانيات، بعد أن حكم اللعاب أنه لا يجيء منه شيء، فلما كان في بعض الأيام تعذر علي البيضاني فأرسلته على طير الماء فلم يصيد منها شيئا، ووقف على نخلة تحتها بركة فيها ماء، فتنحينا عن البركة وبقي بازياره يدعوه ليأخذه إلى يده، فجاز به طير ماء من السماء، ليقع في البركة مدلاة الأرجل، فلما رآها الباشق تطلب الماء على هذه الحال طمع فيها، وقلع رجله فصاد أنثاه أبلق قبل أن تصل إلى الأرض. وهذا ما لم أر مثله ولا سمعت.
صفحة ٥٥