بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط

محمد يوسف موسى ت. 1383 هجري
180

بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط

تصانيف

إنه يبدأ بالقول بأن الفلاسفة لا يرون إنكار البعث والجزاء الجسديين، ويؤكد كما ذكرنا من قبل أن الشرائع كلها قالت بذلك، وإذا كانت الشرائع جميعها، من شريعة بني إسرائيل إلى شريعة الإسلام، قالت به وجعلته من المبادئ الأولى العامة التي تقوم عليها، لما ينبغي عليه من الدفع إلى طيبات الأعمال؛ فإن من المعروف أن الفلاسفة لا يرون التعرض بقول مثبت أو مبطل للمبادئ العامة للشرائع.

105

على أنه بالنسبة إلى البعث خاصة، فقد اتفقت الشرائع جميعا - كما يذكر ابن رشد أيضا - على وجود أخروي بعد الموت وإن اختلفت في صفة ذلك الوجود

106

فمنها من جعله روحانيا فقط، ومنها من جعله جسمانيا أيضا بالأمثال التي ضربتها له، على أن تمثيل الجزاء جسمانيا، كما جاء بالشريعة الإسلامية، أدفع للعمل والفضيلة بالنسبة للجمهور، وهذا ما سبق تفصيله في الفصل الثالث من هذا القسم.

وإذا كان الأمر كذلك فمن الضروري كما يقول فيلسوفنا أن يقال إن الأرواح ستعاد في الدار الأخرى إلى أجسام مثل أجسامها التي كانت لها في الدار الدنيا، لا لهذه الأجسام نفسها التي عدمت بالموت؛ لأن المعدم يستحيل إعادته بعينه، وهنا نجد ضروريا أن نشير إلى ما سبق أن بيناه في هذه المشكلة من أن فيلسوفنا يرى أن المعاد سيكون روحانيا فقط.

هذا، وبعد الكلام على مسألة المعاد ينتهي ابن رشد من رد هجوم الغزالي العنيف على الفلاسفة بسبب ما ذهبوا إليه في المسائل التي ذكرنا أهمها، ثم يختم كتابه «تهافت التهافت» بأن الغزالي كفر الفلاسفة بهذه المسائل الثلاث: (1)

المعاد الروحاني لا الجسدي، مع أنهم لم ينكروا المعاد الجسماني، ومع أن منكره لا يكفر لأنه غير مجمع عليه بدليل تردد الغزالي نفسه فيه. (2)

علم الله بالكليات دون الجزئيات، وقد تبين أنهم لا يرون ما فهم الغزالي، بل يرون القول بعلم الله الشامل لكل شيء على نحو خاص. (3)

قدم العالم، وقد وضح أنهم لا يعنون المعنى الذي كفرهم من أجله المتكلمون.

صفحة غير معروفة