بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط

محمد يوسف موسى ت. 1383 هجري
181

بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط

تصانيف

ثم يختم أخيرا الحديث ببيان أن الغزالي قد «أخطأ على الشريعة، كما أخطأ على الحكمة.» وبالاعتذار عن التكلم في هذه الأشياء ، بأنه إنما اضطر لذلك لضرورة طلب الحق مع أهله، وهو واحد من ألف، والتصدي لمن يتكلم فيه ممن ليس من أهله، ولولا هذا وذاك ما تكلم فيه بحرف.

النتيجة

نرى من الضروري، وقد انتهينا من البحث الذي قصدنا إليه، أن نستخلص أخيرا منه نتائجه الهامة، وأن نبين مدى نجاح ابن رشد في محاولته التوفيق بين الدين والفلسفة، والعوامل التي حالت دون أن يصل عمله إلى النجاح الذي كان يرجوه. (1)

بينا أن روح الإسلام روح توفيقية بين الجهات التي بينها خلاف، وأن هذه الروح مع عوامل أخرى هي التي دفعت فلاسفة الإسلام إلى العمل على التوفيق بينه وبين فلسفة اليونان كما عرفوها، وإن عملهم لهذا التوفيق ليس فقط كما يقول الأستاذ «جوتييه»: «معقد الطرافة في هذه الفلسفة اليونانية الإسلامية»، بل إن محاولة هذا التوفيق كانت إلى حد كبير السبب في أن صار للإسلام فلسفة إلهية وطبيعية.

ولكنه، برغم الجهود التي بذلها في هذا السبيل الفارابي وابن سينا قبل ابن رشد، ظلت الفلسفة اليونانية على خلاف مع ما جاء به الإسلام فيما يتعلق بالله وصلته بالعالم، وآية هذا تلك الحرب التي شنها الغزالي عليهما وعلى الفلاسفة جميعا.

ثم جاء ابن رشد فكان همه الإلحاح أولا على وجوب الفصل بين العامة والخاصة وتعاليم كل طائفة بينهما، وفي هذا سعادة الجميع؛ لأن الحقيقة الواحدة يعبر عنها بطرق مختلفة باختلاف العقول والاستعدادات.

وهذا ما جعل بعض الباحثين المعاصرين يذهب إلى أن توفيق ابن رشد بين الحكمة والشريعة لم يكن - على خلاف ما كان من الفارابي وابن سينا - توفيقا «داخليا»، ولكنه فقط فصل ظاهري بين السلطات.

1

ولكن الحقيقة هي أن ابن رشد اضطر كما عرفنا بسبب حملة الغزالي إلى أن يترك لنا محاولة عملية للتوفيق بين الحكمة والشريعة توفيقا داخليا حقا؛ ولهذا نراه في أكثر من موضع من كتاباته يعتذر من كل قلبه عما اضطر إليه من الكلام في مسائل الشريعة والفلسفة على ذلك النحو الذي لم يكن يوده.

وهنا نشير إلى أن فيلسوف قرطبة رأى في كتابه «مناهج الأدلة»، الذي خصصه للاستدلال على العقائد الدينية بما يناسب العامة والخاصة من الناس، أن يجعل عماده في هذا الاستدلال هو النوع الذي رضيه القرآن، دون الاستدلال المنطقي الذي لا تطيقه العامة ومن إليهم؛ ولهذا المنهج أثره القوي في التوفيق. (2)

صفحة غير معروفة