بين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء
تصانيف
في «أسيزي»
Assisi
وفي نقوش المذبح في «ساليرنو»
Salerno
تعطينا جماعها أمثالا حية على هذا المعتقد، فترى الخالق قد وضع في السماوات قرصين أو شبحين حيين في حجم واحد، قد لون كل منهما بلون ملائم أو نقش بما يدل على أن أحدهما يمثل النهار والآخر يمثل الليل، وما لا خفاء فيه أن هذا التصور هو بلا ريبة تصور ذلك الشخص أو الأشخاص الذين جمعوا من الأساطير الكلدانية، وغيرها أعرق منها قدما، تلك القصص التي بنيت عليها روايات الخلق التي ذكرت في السفر الأول من الأسفار المقدسة وإلى عهد قريب جدا، لا يكاد يغرب عن ذاكرة الأحياء، كان المعتقد على وجه الإطلاق «دائما وفي كل مكان وعند كل شخص» أن الكون كما نراه الآن قد خلق مباشرة من طريق صوت الواحد القهار أو بيده أو بكليهما، من لا شيء، وفي لحظة واحدة أو خلال ستة أيام أو فيهما معا، وأن ذلك وقع في سنة 4000 قبل بدء التاريخ الميلادي، وأن هذا الخلق لم يحصل إلا ليمتع به سكان الأرض التي هي القاعدة والأساس الذي قام عليه كل الهيكل الكوني.
غير أنه منذ أزمان بعيدة فرخت في ثنايا العقل الإنساني جراثيم لفكرات أخرى قد يرجع بعضها إلى زمان أبعد من ذلك الزمان الذي أينعت فيه المدنية البابلية. فقد نجد في النقوش الآشورية آثارا تدل على تلك الفكرة الكلدانية البابلية التي تشير إلى «نشوء» الكون في جوف «الغور الأبعد» أو «الفيضان الأول»، وإلى خلق الحيوانات في البر والبحر. وهذه الفكرة ترجع بنا سعيا - ولو بشكل جزئي - إلى الصورة التوحيدية في الدين، تلك التي انتقلت بطريق اللقاح إلى الكتب المقدسة التي اختص بها العبرانيون، جيران الكلدانيين وتلاميذهم، غير أن نشوء هذه الفكرات في العالم النصراني فيما بعد، قد أعاقت خطاه - كما سنرى - روايات وأقوال أعظم تأثيرا وأبلغ خطرا، ورثت من نواح أخر وكانت أكثر ملاءمة لما انطوى عليه العقل الكنسي في بدء نشوء الدين المسيحي.
ومما يدعو إلى النظر والتأمل تأثير تلك الفكرة التي عادت إلى الحياة في عقول الفلاسفة الأيونيين
Ionian Philosopheers
وقد يرجح أن تكون قد نقلت إليهم عن الكلدانيين من طريق الفنيقيين. ففي عقول رجال من الفلاسفة أيونيا أمثال أنكسنميدر
Anaxmander
صفحة غير معروفة