وإذا كنت تحب طعم الأوراق الطرية على رءوس الشجرة، ويبلغ من حبك أن تجمع إرادتك كلها في عنقك لتمدها وتطيلها، فسوف تكون لك في النهاية عنق طويلة كعنق الزرافة. ويبدو هذا سخيفا أول الأمر لمن لا ينتبهون لما حولهم، ولكنها حقيقة في متناولنا جميعا. ونشاهد تحقيق هذه المحاولة بعينها كلما شاهدنا الطفل المتعثر قد أصبح ولدا يمشي على قدميه منتصب القامة، وكلما شاهدنا رجلا مسلوخ الذقن أو مصدوما في مؤخرة رأسه على الثلج قد أصبح من راكبي الدراجات أو البارعين في الانزلاق. وليست هذه الحركة مستمرة متصلة إذا كان التدريب وحده هو الذي يعمل عمله فيها؛ فإنك إن تقدمت في ركوب الدراجة درسا بعد درس لا تعود في الدرس الثاني إلى حيث انتهيت، بل تعود ظاهرا إلى حيث ابتدأت أول مرة، وإذا بك أخيرا قد نجحت كأنما قد نجحت فجأة بلا نكسة ولا رجعة. وأشبه من ذلك بالمعجزة أنك تباشر هذه القدرة الجديدة غير شاعر بها ولا ملتفت إليها ...
لقد خلقت فيك قدرة جديدة، وخلق فيك بغير شك نسيج جسدي كعضو تتلبس به تلك القدرة، وقد أتممت ذلك كله بمحض الإرادة، فليس هنا محل لانتخاب البيئة أو بقاء الأصلح؛ لأن الرجل الذي يتعلم ركوب الدراجة لا فضل له على غيره في معركة البقاء، بل على عكس ذلك، وإنما اكتسب عادة جديدة لغير سبب إلا أنه أرادها، وما زال يحاولها حتى أضيفت إلى تكوينه.»
صورة شمسية من «صورة زيتية». •••
وواضح من هذه المتفرقات أن «شو» يستمد فلسفته من مصدرين: أحدهما علمي وهو نظرية النشوء والارتقاء، والآخر فلسفي وهو مذهب «برجسون» القائل بنظرية «التطور الخالق» أو ما يسميه في بعض الأحيان بدفعة الحياة.
والاعتراضات على فلسفة «شو» كثيرة كالاعتراضات على كل مذهب من مذاهب الفلاسفة فيما يدور حول مسألة الخلق وأصول الأشياء خاصة.
ومن المعترضين من يعترف لشو بالأستاذية، ولكنه يخالفه في الفلسفة الإلهية على التخصيص، كالأستاذ «جود» الفيلسوف الإنجليزي المشهور.
وقد بنى اعتراضه على أسباب علمية، ولم يبنه على أسباب فلسفية كما ينتظر من فيلسوف يتكلم في مسألة فلسفية، فاستند في نقض فلسفة شو على القانون الثاني من قوانين الحرارة والحركة
Thermodynamics ، وفحواه أن الحرارة في الكون تتسرب من الجسم الحار إلى ما دونه في الحرارة حتى تتساوى الأجزاء كلها في درجة الحرارة، فتبطل الحركة ويصاب الكون بالشلل، فلا يبقى فيه محل لمؤثرات الحياة أو غيرها من المؤثرات.
فإذا كانت القوة الحيوية جزءا من الكون فلا نجاة لها من هذا المصير، وليس للحياة ولا للفكر شأن في النهاية غير شأن المادة والأجسام المادية. فكيف يترقى الفكر إلى الغاية التي تعلو على المادة وعلى الأجساد؟!
والاعتراض فيما نرى غير حاسم؛ لأنه لا مانع «أولا» من استقلال الفكر المجرد ببقاء غير بقاء الأجساد المادية.
صفحة غير معروفة