إني ضممت جوهرة الإنسان، إلى فلذة الحيوان في النظام، وقرنت نظام الكواكب الدري، بما رآه بسمرك وسلبري، وسويت ما بين نواميس الأحجار في سقوطها، وقوانين الكواكب في هبوطها، وبين نظام الأمم الأرضية، وأحوالها السياسية.
ولست أدعي النهاية في تحقيقه، والإجادة في تنميقه، فما أكثر العوائق من الأعمال الدراسية، وما أبعدها عن هذه المرامي النائية، والمطالب السامية.
وما هذا الكتاب إلا خطرات خاطرات، ولمحات سانحات، وبوارق لامعات، في ليالي الحوادث المدلهمات.
وهو وإن كان قطرة من بحر السلام العام، فسوف تتبعها المزن الممطرات، ولسوف يقوم بهذا الأمر علماء محققون من رجال الشرق والغرب، وليعلمن نبؤه بعد حين.
الدنيا بحر ملح أجاج، متلاطم الأمواج، يغشاه موج الحياة المدلهمة، من فوقه المظالم المطلخمة، من فوقه سحائب الحروب الشيطانية البشرية، بحيث إذا أخرج المرء فيها يده لم يكد يراها، وضل في موجه العظيم، هذا مثل حال الإنسان، الضائع في ثنايا الزمان.
لذلك ألفت هذا الكتاب؛ ليبحث العقلاء عنه في ذلك العباب، وأسميته «أين الإنسان».
وأعطيته باليمين للحكماء، ممن تحت السماء، وباليسار للسواس العظماء، على سطح الغبراء.
ولما كانت الأشكال أولى بأشكالها، والفضائل أقرب إلى أهلها، والعيون أعلق بأهدابها، وكان كتابي موجها لطائفتين من العالمين، ومهدى إلى نوعين من العقلاء العاملين، رجل عليم، وسائس عظيم، بدأت بإرساله إلى مؤتمر الأجناس العام؛ لأنه جمع بين الحسنيين ونال المنقبتين، لولا علو المنار ما عم نوره المسافرين، ولولا ضوءه ما هدى السفائن في ظلمات الغياهب ولا الضالين.
إن لتأليف الكتاب أسبابا يطول شرحها، وقد أرجأتها لتذكر فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ولما تم ترتيبه وانتظم عقده، أيقنت أن أفئدة تهوي إليه إذا سمعته، وعقولا تصبو إليه إذا قرأته، من عقلاء الأمم جمعاء، ولعمرك لقد كنت أرجو انتشاره، وأود إظهاره، ولكن ما كنت أدري كيف السبيل، حتى قرأت في الجريدة خبرا عن مؤتمر الأجناس العام الذي سيقوم بالبلاد الإنجليزية، وقد شرح أمره المستر ستيد صاحب مجلة المجلات فقال ما ملخصه:
صفحة غير معروفة