المشرف: إناء كانوا يشربون فيه. والمطموث: الممسوس. والخريص: السحاب. ووجه الخطأ وصفه الخمر بالخضرة، وما وصفها بذلك أحد غبره، ولا كانت العرب تعرف هذا اللون للخمر.
(ومن قبيله) قول المرار:
وخال على خدّيك يبدو كأنّه ... سنا البدر في دعجاء باد دجونها
فوصف الخال بالبياض، والوجه بالسواد، وهو خلاف المتعارف، اللهم إلا أن يكون حكى الواقع، ولو كان كذلك ما عابه عليه أئمة الأدب ونقده الشعر كالمرزباني وأبي هلال وقدامة وغيرهم.
(ومما أخطأوا) فيه جريرًا قوله:
لمّا تذكرت بالديرين أرّقني ... صوت الدجاج وقرع بالنواقيس
فقالوا: غلط مرتين فإن الدجاج لا تصيح، وإنما الديوك تصيح، والأرق في أول الليل، والديوك تصيح عند الصباح.
قلنا: الدجاج تطلق على الديوك أيضًا، وإنما الوهم في الثاني، وقد تكلف له بعضهم وجهًا فقال: إنما أراد أرقني انتظار صوت الدجاج والنواقيس.
(ومن عيوب) المعاني أن ينسب الشيء إلى ما ليس منه، كما قال خالد بن صفوان:
فإن صورة راقتك فأخبر فربّما ... أمرّ مذاق العود والعود أخضر
قال قدامة والمرزباني: «كأنه يومئ إلى أن سبيل العود الأخضر في الأكثر أن يكون عذبًا أو غير مر، وهذا ليس بواجب، لأنه ليس العود الأخضر بطعم من الطعوم أولى منه بالآخر» .
(ومن عيوب) المعاني قول الحكم الخضري:
كانت بنو غالب لأمّتها ... كالغيث في كلّ ساعة يكف
وليس في المعهود أن يكون الغيث واكفًا في كل ساعة.
(ومنها) قول الحطيئة:
ومن يطلب مساعى آل لأى ... تصعّده الأمور إلى علاها
قال أبو هلال: «كان ينبغي أن يقول: من طلب مساعيهم عجز عنها وقصر دونها، فأما إذا تناهى إلى علاها فأي فخر لهم، فإن قيل: إنه أراد به يلقى صعوبة، كما يلقى الصاعد من أسفل إلى غلو، فالعيب أيضًا لازم له، لأنه لم يعبر عنه تعبيرًا مبينا» ونحوه في الموشح للمزرباني.
قلنا: البيت على القول الأول أشبه بالهجاء عنه بالمدح، لأنه أراد أن يعظم شأنهم فصغره وحقره، وقد وقع الأخطل فيما يشبهه، فإذا أراد مدح سماك الأسدي وكان قومه يلقبون بالقيون ويعيرون بذلك فقال:
قد كنت أحسبه قينًا وأنبؤه ... فاليوم طيّر عن أثوابه الشَّررُ
أي فاليوم نفى ذلك عن نفسه وذهب عنه هذا اللقب، فنبه في محده له على شيء يعير به، وكان له في ضروب الممادح متسع. ويروي: أنه لما أنشده سماكًا قال له: أردت أن تمدحني فهجوتني كان الناس يقولون قولًا فحققته.
وأراد الأخطل أن يهجو سويد بن منجوف، فأتى بما يدل على مدحه في قوله:
وما جذع سوء خرّب السوس أصله ... لما حمّلته وائل بمطيق
فجعله لا يطيق ما خملته وائل من أمورها، فأثبت له نباهة وسؤددًا، وجعله من تعصب به الحاجات. وفي الأغاني: أنه لما هجا سويدًا بهذا الشعر قال له: يا أبا مالك، ما تحسن تهجو ولا تمدح، لقد أردت مدح الأسدي فهجوته، يعني قوله: (قد كنت أحسبه قينًا وأنبؤه) وأردت هجائي فمدحتني، جعلت وائلًا حملتني أمورها، وما طمعت في بني تغلب فضلًا عن بكر.
قلنا: وقد سبقه زهير إلى المدح بما يشبه الهجاء في بيت لم نر من تنبه لما فيه غير ابن شرف القيرواني فقال عنه ما نصه: «وقال زهير_ وهو من أطيب شعره أملحه عند العامة، وكثير من الخاصة، فهاهنا تحفظ وتأمل، ولا يهلك ذلك منهم الحق أبلج_قال:
تراه إذا ما جئته متهللًا ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله
مدح به شريفًا، أي شريف، فجعل سروره بقاصده كسروره بمن يدفع شيئًا من عرض الدنيا إليه، وليس من صفات النفوس العازفة السامية، والهمم الشريفة العالية، إظهار السرور إلى أن تتهلل وجوههم، وتسر نفوسهم بهبة الواهب، ولا شدة لابتهاج بعطية المعطى، بل ذلك عندهم سقوط همة، وصغر نفس» إلى أن قال: «هذا نقض البناء، ومحض الهجاء، والفضلاء يفخرون بضد هذا» .
(وعابوا) على الفرزدق قوله:
ومن يأمن الحجّاج والطير تتّقى ... عقوبته إلاّ ضعيف العزائم
وزعموا أن الحجاج قال له: ما عملت شيئًا، إن الطير تتقى الصبي والثوب وتنفر من الخشبة، ولا نخال الفرزدق أراد ذلك، وإنما مراده أن القريب والبعيد يتقيه حتى الطائر في الجو، ولكنه قصر في البيان.
1 / 17