(ومن عيوب المعاني) فساد التقسيم، وهو إما أن يكون بالتكرير كقول هذيل الأشجعي:
فما برحت تومي إليه بطرفها ... وتومض أحيانًا إذا خصمها غفل
فإن تومي وتومض متساويان، فكأنه قال: ما برحت تومي إليه أحيانًا وتومي أحيانا. وإما أن يكون بدخول أحد القسمين في الآخر، كقول القائل:
أبادر إهلاك مستهلك ... لمالي أو عبث العابث
فإن عبث العابث داخل في إهلاك المستهلك.
ومثله قول أمية بن أبي الصلت:
لله نعمتنا تبارك ربّنا ... ربّ الأنام وربّ من يتأبّد
فمن يتأبد: أي يتوحش داخل في الأنام، ولا يجوز أن يكون أراد به الوحش لأن من لا تقع على غير العاقل.
ومنه أن يكون القسمان مما لا يجوز دخول أحدهما في الآخر كقول أبي عدي القرشي:
غير ما أن أكون نلت نوالًا ... من نداها عفوًا ولا مهنيا
فإن العفو قد يكون مهنيا، والمهنى قد يكون عفوا، وهو مثل ما حكى أن أنوك سأك مرة فقال: علقمة بن عبدة جاهلي أو من بني تميم.
ومثله قول عبد الله بن سليم الغامدي:
فهبطت غيثًا ما يفزّغ وحشه ... من بين سرب ناوئٍ وكنوس
فإن الناوئ: أي السمين يجوز أن يكون كانسًا أو راتعًا، والكانس يجوز أن يكون سمينًا أو هزيلًا، وإما أن يكون بترك ما يحتمل الواجب تركه، كقول جرير في بني حنيفة:
صارت حنيفة أثلاثًا فثلثهم ... من العبيد وثلث من مواليها
قيل: إن هذا الشعر أنشد في مجلس ورجل من بني حنيفة حاضر فيه فقيل له: من أيهم أنت؟ فقال: من الثلث الملغى ذكره. انتهى ملخصًا من نقد الشعر والموشح.
(ومن عيوب المعاني) الإخلال، قال قدامة والمرزباني: «هو أن ترك من اللفظ ما يتم به المعنى، مثال ذلك قول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود:
أعاذل عاجل ما أشتهى ... أحبّ من الأكثر الرائث
فإنما أراد أن يقول: عاجل ما اشتهى مع القلة أحب إلي من الأكثر المبطئ، فترك مع القلة وبه يتم المعنى.
ومثل ذلك قول عروة بن الورد:
عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم ... ومقتلهم عند الوغا كان أعذرا
فإنا أراد أن يقول: عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم في السلم، ومقتلهم عند الوغا أعذر فترك في السلم.
ومن هذا الجنس قول الحارث بن حلزة:
والعيش خير في ظلا ... ل النوك ممن عاش كدّا
فأراد أن يقول والعيش خير في ظلال النوك من العيش بكد في ظلال العقل، فترك شيئًا كثيرًا، وعلى أنه لو قال ذلك لكان في الشعر خلل آخر، لأن الذي يظهر أنه أراده هو أن يقول إن العيش الناعم في ظلال النوك خير من العيش الشاق في ظلال العقل، فأخل بشيء كثير.
ومن هذا الجنس نوع آخر، وهو كما قال بعضهم:
لا يرمضون إذا حرّت مشافرهم ... ولا ترى منهم في الطعن ميّالا
ويفشلون إذا نادى ربيئهم ... ألا اركبنّ فقد آنست أبطالا
الربئي: الطليعة، فأراد أن يقول: ولا يفشلون، فحذف (لا) فعاد المعنى إلى الضد» انتهى.
(ومن اضطراب) المعنى قول أبي دؤاد الإيادي
لو أنها بذلت لذي سقم ... حرض الفؤاد مشارف القبض
حسن الحديث لظلّ مكتئبًا ... حرّان من وجد بها مضّ
قال أبو هلال: «وكان استواء المعنى أن يقول: لبرأ من سقمه» .
(ومن الإحالة) قول ابن مقبل:
أما الأداة ففينا صنعٌ ... جردٌ عواجرُ بالألباد واللُّجم
ونسج داود من بيض مضاعفة ... من عهد عاد وبعد الحيّ من إرم
قال ابن رشيق: «فكيف يكون نسج داود من عهد عاد اللهم إلا أن يريد فينا ضمر صنع من عهد عاد، فذلك له على سبيل المبالغة، مع أن الإحالة لم تفارقه، وكم بين قيس عيلان وبين عاد فضلًا عن بني العجلان» انتهى. والصنع من قولهم: صنع فرسه: إذا أحسن القيام عليه، فهو فرس صنيع. والعواجر: التي تقمص. وجاء في اللسان عن البيت الأول: «رويت بالحاء والجيم في اللجم، ومعناه: عليها ألبادها ولحمها، يصفها بالسمن، وهي رافعة أذنابها من نشاطها» .
1 / 18