فقال: «لا يقال: ماء جامس، وإنما يقال: ودك جامس» . قلنا: هو تابع في ذلك للأصمعي. والجامس: الجامد، يريد: أننا نقرى في الشتاء. وبض اللغويين يجيز الجموس في الماء.
(وعاب) عليه قوله أيضًا:
إذا أنجا بت الظلماء أضحت رءوسها ... عليهنّ من جهد الكرى وهي ظلَّع
فعده من عجائب الغلط، ونقل عن ابن فروة أنه قال: قلت لذي الرمة: ما علمت أحدًا من الناس أظلع الرءوس غيرك! فقال أجل. انتهى.
قلنا لأن المعروف في الظلع أنه العرج والغمز في المشي، وهذا لا يكون في الرءوس.
(وعاب) على أبي ذؤيب الهذلي قوله:
فما برحت في الناس حتّى تبيّنت ... ثقيفًا بزيزاء الأشاء قبابها
الزيزاء: (بكسر الأول): الأكم، واحدتها زيزاءة والأشاء: النخل. قال أبو هلال: «يقول: ما زالت هذه الخمرة في الناس يحفظونها حتى أتوا بها ثقيفًا. قال الأصمعي. وكيف تحمل الخمرة إلى ثقيف وعندهم العنب!» ومثله في طبقات الشعراء لابن قتيبة.
قلنا: الذي في شرح السكرى لديوان أبي ذؤيب أن المعنى: «حملت إلى عكاظ لتباع، وهي دار ثقيف» وعليه فلا خطأ إلى أن يكون مراد الشاعر حملت إلى ثقيف نفسها كما فهم الأصمعي، وتبعه فيه أبو هلال وابن قتيبة.
(ومما أخطأوا) فيه الشماخ قوله:
وأعددت للساقين والرجل والنسا ... لجامًا وسرجًا فوق أعوج مختال
قال المرزباني: «وإنما يلجم الشدقان لا الساقان» .
قلنا: لم يقل الشماخ ألجمت الساقين ولا يقوله أحد، وإنما قال: أعددت لها لجامًا وسرجًا، أي ألجمت فرسي وأسرجته ليعدو ويحرك ساقيه إلا أنه لم يحسن التعبير.
(ومما استضعف) من معاني الأعشى قوله:
فرميت غفلة عن شاته ... فأصبت قلبها وطحالها
المراد بالشاة هنا: المرأة. قال المزرباني: «وقد عابه قوم بذلك لأنهم رأوا ذكر القلب والفؤاد والكبد يتردد كثيرًا في الشعر عند ذكر الهوى والمحبة والشوق، وما يجده المغرم في هذه الأعضاء من الحرارة والكرب، ولم يجدوا الطحال استعمل في هذه الحال إذ لا صنع له فيها، ولا هو مما يكتسب حرارة وحركة في حزن ولا عشق، ولا بردًا وسكونًا في فرح أو ظفر فاستهجنوا ذكره» .
(ومن المتناقض) قول المسيب بن علس:
فتسلَّ حاجتها إذا هي أعرضت ... بخميصة سرح اليدين وساع
وكأن قنطرة بموضع كورها ... ملساء بين غوامض الأنساع
وإذا أطفت بها أطفت بكلكل ... نبض الفرائض مجفر الأضلاع
فوصفت بأنها خميصة: أي ضامرة، ثم شبهها بعد ذلك بالقنطرة، والقنطرة لا تكون إلا عظيمة، وأكد ذلك بقوله: مجفر الأضلاع. والمجفر: العظيم الجنين من كل شيء، فكيف تكون خميصة وهذه صفتها.
(ومن المتناقض) قول الحطيئة في ثور وحشي:
حرج يلاوذ بالكناس كأنّه ... متطوّف حتّى الصباح يدور
حتّى إذا ما الصبح شقّ عموده ... وعلاه أسطع لا يردّ منير
أوفى على عقد الكثيب كأنّه ... وسط القداح معقّب مشهور
وحصى الكثيب بصفيحته كأنّه ... خبث الحديد أطارهنّ الكير
قالوا: زعم أنه بات يطوف حتى أصبح وأشرف على الكثيب، فمن أين صار الحصى بصفيحته! وإنما يلتصق بهما إذا كان راقدًا.
(ومنه) قول عروة بن أذينة:
نزلوا ثلاثَ منىً بمنزل غبطة ... وهمُ على غرض لعمرك ما همُ
متجاورين بغير دار إقامة ... لو قد أجدّ رحيلهم لم يندموا
قال أبو هلال: «فقال لبثوا في دار غبطة، ثم قال: لو رحلوا لم يندموا.
ومثله قول جرير:
فلم أر دارًا مثلها دار غبطة ... وملقىً إذا التف الحجيج بمجمع
أقلّ مقيمًا راضيًا بمقامه ... وأكثر جارًا ظاعنًا لم يودّع
وهل يغتبط عاقل بمكان من لا يرضى به» انتهى.
(ومنه) قول ابن نوفل:
لأعلاج ثمانية وشيخ ... كبير السن ذي بصر ضرير
لأن الضرير إنما يستعمل في الأكثر للذي لا بصر له، فقوله في هذا الشيخ أنه ذو بصر، وأنه ضرير تناقض، فكأنه يقول: إنه لا بصرًا ولا بصر له، فهو بصير أعمى، كذا في الموشح للمرزباني ونقد الشعر لقدامة.
1 / 15