الأستن (بوزن أحمر): شجر إذا نظر الناظر إليه من بعد شبهه بشخوص الناس، كذا في اللسان. وقال الأعلم الشنتمري في شرح الديوان: «شبه الأستن في سواد أسافله وطوله بإماء سود يحملن الحزم، وأوقع التشبيه في اللفظ على المشي لأن السبب في ظهر أسافلهن وتبين سوادهن، وإنما خص اللواتي تحمل الحزم لأنهن إذا كانت عليهن الحزم مددن أيديهن فكان أطول لهن» . وفي شرح الوزير أبي بكر البطليوسي: «شبه سواد أسافل هذا الشجر وما فوق ذلك من فروعه اليابسة بإماء سود على رءوسهن حطب لأن لون هذا الشجر إذا كان أسفله أسود وأعلاه يابس الأغصان فكأنه حطب على رءوس إماء سود» . والذي عيب عليه في هذا البيت من فساد المعنى قوله: (الغوادي) لأن الإماء تحمل الحطب بالعشي وهن روائح، وأما إذا غدون إلى الصحراء فإنهن مخفات. قالوا: والجيد قول التغلبي:
تظل ربد النعام كأنها ... إماء تزجى بالعشي حواطب
قد شبه النعام بالإماء الحواطب لأن النعامة إذا خفضت عنقها ومشت كانت أشبه بماش وعلى ظهره حمل. وقال أبو هلال في بيت النابغة: «وقد روى: مثل الإماء، وإذا صحت الرواية سلم المعنى» .
قلنا: لم يظهر لنا وجه سلامة المعنى على هذه الرواية لأن أبا هلال لم يعب عليه قوله: (مشى افماء) بل عاب عليه كغيره قوله: (الغوادي) وتغيير مشي بمثل لا يجعل تلك الإماء روائح حتى يسلم المعنى به، وإنما الذي ينتصر للنابغة يقول: أراد أن الإماء تغدو لتحمل الحطب رواحًا.
وقال علي بن حمزة البصري في التنبيهات: «كان أبو عبيدة يقول: لم يقله النابغة إلا عشاء تحمل الحزما» .
(وقال) النابغة أيضًا يصف ثورًا:
من وحش وجرة موشى أكارعه ... طاوى المصير كسيف الصيقل الفرد
قال أبو هلال: «أراد بالفرد أنه مسلول من غمده، فلم يبن بقوله الفرد عن سلة بينانًا واضحًا. والجيد قول الطرماح وقد أخذه منه:
يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيف على شرف يسل ويغمد
وهذا غاية في حسن الوصف» ومثله في طبقات الشعراء لابن قتيبة.
(ومما خطأوا) فيه النابغة أيضًا قوله:
ألكني يا عيين إليك قولًا ... ستحمله الرواة إليك عنى
ألكني: أي كن رسولي وبلغ. ألوكتى: أي رسالتي. وفسره أبو هلال بأرسلني فقال منتقدًا البيت: «وليس من الصواب أن يقال: أرسلني إلى نفسك ثم قال: ستحمله الرواة إليك عني» . وقال الآمدي: «قالوا: ألكنى: أي كن لي رسولًا، فكيف يكون ألكنى إليك عني، فاعتذر له الأصمعي وقال: أهذا مما حملته الرواة عن النابغة، كأنه يدفع أن يكون قاله» .
قلنا: من فسره بأرسلني راعى اللفظ فقط، ومن فسره بكن رسولي راعى المعنى، ففي اللسان أن مقتضى لفظ: (ألكني إليها برسالة) أن يكون أرسلني إليها برسالة إلا أنه جاء على القلب، إذ المعنى: كن رسولي إليها بهذه الرسالة، فاللفظ يقضى بأن المخاطب مرسل، والمتكلم مرسل، وهو في المعنى بعكس ذلك،. انتهى ملخصًا.
والذي أنكره هؤلاء الأئمة أجازه صاحب اللسان فقال: «وقد يكون المرسل هو المرسل إليه، وذلك كقولك: ألكني إليك السلام، أي كن رسولي إلى نفسك بالسلام، وعليه قول الشاعر» ثم استشهد بالبيت. هذا فيما يتعلق بالصدر، وأما إنكارهم قوله بعد ذلك: ستحمله الرواة إليك عني، فإن رواية الديوان وشروحه التي بأيدينا: «سأهديه إليك إليك عني» وفسره الأعلم بقوله: أي كف عني في أمر إخواني بني أسد، وكان عيينة بن حصن سام قوم نابغة أن ينقضوا حلف بني أسد فتوعده النابغة بالهجاء والحرب.
(ومما عابوه) على النابغة قوله:
فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
فقال المعترضون: تشبيهه الإدراك بالليل يساويه إدراك النهار فلم خصه دونه، وإنما كان سبيله أن يأنى بما ليس له قسيم، هذا خلاصة ما قيل في البيت، والكلام فيه كثير حتى عده بعضهم في نقد الشعر من باب العبث، وهو أن يقصد الشاعر شيئًا من الأشياء ليس لذكره فائدة. وقال المعتذرون للنابغة: إنما خص الليل بالذكر لأنه وصفه في حال سخطه فشبهه بالليل وهوله، وهي كلمة جامعة لمعانٍ كثيرة. وقيل: ذكر الليل لأنه أهول، ولأنه أول، ولأن أكثر أعملهم كانت فيه لشدة حر بلادهم، فصار ذلك عندهم متعارفًا.
(ومما خطأوه) فيه قوله:
1 / 13