الأخلاق والسير في مداواة النفوس

ابن حزم ت. 456 هجري
45

الأخلاق والسير في مداواة النفوس

محقق

بلا

الناشر

دار الآفاق الجديدة

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٣٩٩هـ - ١٩٧٩م

مكان النشر

بيروت

إِذا ارْتَفَعت الْغيرَة فأيقن بارتفاع الْمحبَّة الْغيرَة خلق فَاضل متركب من النجدة وَالْعدْل لِأَن من عدل كره أَن يتَعَدَّى إِلَى حُرْمَة غَيره وَأَن يتَعَدَّى غَيره إِلَى حرمته وَمن كَانَت النجدة طبعا لَهُ حدثت فِيهِ عزة وَمن الْعِزَّة تحدث الأنفة من الاهتضام أَخْبرنِي بعض من صحبناه فِي الدَّهْر عَن نَفسه أَنه مَا عرف الْغيرَة قطّ حَتَّى ابْتُلِيَ بالمحبة فغار وَكَانَ هَذَا الْمخبر فَاسد الطَّبْع خَبِيث التَّرْكِيب إِلَّا أَنه كَانَ من أهل الْفَهم والجود درج الْمحبَّة خَمْسَة أَولهَا الِاسْتِحْسَان وَهُوَ أَن يتَمَثَّل النَّاظر صُورَة المنظور إِلَيْهِ حَسَنَة أَو يستحسن أخلاقه وَهَذَا يدْخل فِي بَاب التصادق ثمَّ الْإِعْجَاب بِهِ وَهُوَ رَغْبَة النَّاظر فِي المنظور إِلَيْهِ وَفِي قربه ثمَّ الألفة وَهِي الوحشة إِلَيْهِ إِذا غَابَ ثمَّ الكلف وَهُوَ غَلَبَة شغل البال بِهِ وَهَذَا النَّوْع يُسمى بَاب الْغَزل بالعشق ثمَّ الشغف وَهُوَ امْتنَاع النّوم وَالْأكل وَالشرب إِلَّا الْيَسِير من ذَلِك وَرُبمَا أدّى ذَلِك إِلَى الْمَرَض أَو إِلَى التوسوس أَو إِلَى الْمَوْت وَلَيْسَ وَرَاء هَذَا منزلَة فِي تناهي الْمحبَّة أصلا كُنَّا نظن أَن الْعِشْق فِي ذَوَات الْحَرَكَة والحدة من النِّسَاء أَكثر فَوَجَدنَا الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك وَهُوَ فِي الساكنة الحركات أَكثر مَا لم يكن ذَلِك السّكُون بلها

1 / 55