وكأنه خال زوجته الغافية تبتسم فاهتاج وصاح: ما بالك تبتسمين! أمهلي يا زانية. قريبا يلف هذا الجسد في خرق قذرة كسيرتك، وترقدين في المزبلة إلى الأبد. المزبلة أطهر منك يا لعينة.
وبينما كانت تلك الأفكار تتنازعه قبض على المسدس وهم بإطلاقه، ولكنه عدل عما صمم عليه. أراد أن يكون ختام المأساة التي مثلتها زوجته الخائنة أكثر عنفا وهولا. مرت في خاطره فكرة عابرة لم يلبث أن ابتسم لها ابتسامة رضى. فالخطة التي كاد أن ينفذها لا ترضي أنفته وإباءه. إذن يذبحها ذبحا ويتركها تتخبط في دمها طوال الليل. ستصرخ وتبكي وتولول طالبة النجدة ولكن من يسمع في هذه الليلة الصاخبة. إن المشهد المخيف الذي تصور وقوعه هو وحده يشبع نهم نفسه المتعطشة إلى الثأر لشرفه المهشم.
ونهض من فراشه يستطلع أحوال خنجره فوجده في أحسن حال، فابتسم له ابتسامة حامضة وقال: لهذا الخنجر ماض أبيض في أيام أجدادي السود. سأطبق أصابعي على قبضته كالكماشة وأحز عنقها، وكلما ازدادت صراخا زدتها حزا. لا شفقة ولا رحمة هذه المرة. الشرف فوق الرحمة.
سوف أقطع رأسها ولا يسلم عضو من أعضائها من شر هذا الخنجر المجيد التاريخ.
ثم استضحك وقال: انتقام حلو. سيقول الناس عني أني رجل بربري. فليقولوا ما شاءوا. لا تهمني أقاويلهم متى كان انتقامي شريفا. إن جريمة القتل شنيعة لا تليق بي. ولكن هذه الجريمة التي أواجه بها ربي بعد عمر طويل ستغفر لي: الزانية ترجم. وأي فرق بين الذبح والرجم! ثم صاح مخاطبا نفسه: اقتلها إذن لتبرهن للناس أنك غير جبان.
وفكر بالعاقبة فقال: سأخفي آثار الجريمة، لا جمل ولا جمال. حياة كالمعتاد. وإذا افتضحت أرفع جبيني عاليا وأصيح: انتقمت لعرضي. مرحبا بالقيود وأهلا بالسجن. سوف أمثل أمام القضاء مرتفع الرأس. سأخبر القضاة عن الأسباب، وعن ماضي وماضي عائلتي الشريف النظيف ، وكيف هدمت هذه العاهرة ذلك البناء المشمخر، ولوثت سيرة طيبة كالمسك. سأقول لهم: إني لا أخاف عقابا في سبيل الدفاع عن كرامتي الموروثة، وأقرع الحجة بالحجة وأريهم أنني أهيج كالبركان إذا مست كرامتي. المحاكمة تخيف الأنذال الجبناء وحدهم. سأكون هادئ الأعصاب حتى انتهاء المحاكمة، ومهما كانت الأحكام قاسية فما هي إلا سفاسف بالنظر لشرفي. سوف يتناقل الناس ولا شك، جيلا بعد جيل خبر انتقامي، ويحوكون حوله الروايات والأقاصيص المفزعة مثنين على المغامرة الجريئة. أما الجرائد، وهذا ما يكفيني فخرا، فستنقل إلى قرائها بحروف بارزة ضخمة، حكاية انتقامي لشرفي، وتضع في الصفحة الأولى صورة بطلها سعيد المهيار.
تيك، تاك، تيك.
وبينما كانت هذه الوساوس تزدحم فتتصادم في ذهن سعيد دقت الساعة دقاتها الخمس بعد نصف الليل وصاح الديك. استيقظت زوجة سعيد، وبعد أن تمطت في فراشها هنيهة قامت إلى القهوة تعدها. - سعيد، سعيد، القهوة حد راسك.
ففرك عينيه، وزفر زفرة عميقة، وأجاب: نعم. نعم.
ثم قال في نفسه: آه ما أطيب قلبها! حقيقة إني كنت فظا غليظ القلب ...
صفحة غير معروفة