طبيب امرأته
أبصرت أسما أم شاكر قادمة فهتفت بها من بعيد: صحيح أن ابنك تزوج من المدينة؟ أين كان عقلك لما شاورك؟
فابتسمت أم شاكر ابتسامة مريضة، وقالت: ولكنها لطيفة جدا يا ست أسما.
فصفقت الأميرة كفا على كف وصاحت: مغشوشة أنت. مغشوشة. أمهلي حتى تحط رجلها في الركاب. الله لا يغرك منها. وقعت يا شيخة.
ومدت الست أسما يدها تصافح أم شاكر، وانطوت عليها توشوشها. امتلأت نفس الشيخة شكا فسارت في سبيلها واجمة تفكر. ثم انقشعت غمامة سوء الظن فقالت بصوت مسموع: لا عرس بلا قرص. متى عرفت الست أسما كل هذا؟
وكأنها في تلك اللحظة قد اهتدت إلى الحقيقة فصاحت: شهادتها مجروحة. كانت عينها على شاكر وخاب أملها. وما اطمأن قلبها قليلا حتى عاودتها حمى الشك فقالت: ومع ذلك من يدري! ربما كانت تعرف شيئا عن أمها، عن خالتها، عن عمتها، أما البنت فمسكينة. عمرها سبعة عشر. وما تاهت أم شاكر في مجاهل الظنون هنيهة حتى هبت الذاكرة لنجدتها ثانية فقالت لنفسها: لا يجيء على أبيه وأمه غير الغراب.
وما سري عنها حتى بدت لها امرأة أخرى تضاحكها من بعيد وهي تهتف: ساعة مباركة يا شيخة. ثم هزت برأسها فاصفر وجه أم شاكر. تهيأت لاستقبال صدمة جديدة ولكن هذه قالت: اشكري ربك على هذه النعمة. أنت عشت حتى زوجت المحروس، أما أنا، يا حسرتي، فمن يدري.
فاطمأن قلب أم شاكر وقالت: الله كريم يا أم يوسف. قالت هذا وراحت تجيل عينيها في غضون وجهها فلم يبد لها شيء غير التهنئة البريئة فحمدت الله ومضت بسلام. •••
السماء تتوعد وتتهدد، غيوم تحشد على حدود اليابسة إعلانا لحرب عوان، فكل ما على الأرض يرتجف ويرتعد، والغنم هرولت إلى المراح بدون إذن الراعي.
دخلت أم شاكر بيتها وأسرجت، فالظلام سريع الخطى، والسنديانة تتماسك قدام بيت الشيخ حين تزعزعها العاصفة. ومصاريع الأبواب تصطك كأنما البيت مصاب بالبرداء، والسراج يحرك ألسنته كأنه يتهزأ بالزوبعة.
صفحة غير معروفة