وفيها [ج2 ص376]: حدثني أبي، عن ابيه: أنه سئل عما قتل الكلب، والصقر، فقال: ماقتل الكلب المعلم فحلال عندي أكله، وذكاة ما أكل الكلب المعلم فهو قتله له، ويؤكل ماقتل، وإن أكله إلا أقله، ولا أعلم فيما أجبتك به في هذا اختلافا بين أحد من الناس، إلا شيئا ذكر فيه من خلاف عن ابن عباس، فإنه ذكر عنه: أنه كان يقول: لايؤكل ما أكل الكلب المعلم من صيده، فإنه إنما أمسك الصيد، إذا أكله عن علي نفسه لاعلى مرسله، وظننت أن ابن عباس، تاول في ذلك قول الله جل ثناؤه: {فكلوا مما أمسكن عليكم}[المائدة:4] فكان عند ابن عباس أكله له غير إمساك منه على مرسله، وهو عندي، فقد يمسك بالقتل أكثر الإمساك، والمذكور المشهور أن عدي بن حاتم، وأبا ثعلبة الخشني سألا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن أكل الكلب المعلم يأكل من صيده، فأمرهما بأكل فضلة الكلب.
وقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلهم إلا ابن عباس وحده من بينهم يؤكل فضل الكلب المعلم، وإن لم يبق من الصيد إلا بعضه من اللحم .
فأما ماقتل الصقر، أو البازي: فأعجب ماقيل فيه من القول إلي أنه ليس بذكي، لأن الله سبحانه يقول: {مكلبين}[المائدة:4] ولم يقل ماعلمتم (مصقرين)، والمكلب فهو المغري، وإكلاب الكلب، فهو الإغراء، ولايكون ذلك من المغري من الكلاب، إلا اشلاء وأمرا، والصقر لم يؤمر، ولا يشلى، ولا يغرى، فإن كانت حالة الفهود كحالها لاتشلى، ولا تؤمر فلا يحل أكل فضول أكلها، وإن كانت تؤمر، وتشلى فتأتمر فهي كالكلب يؤكل ما أفضلت، وذكي ما قتلت.
وبهذا فيما بلغنا كان يقول علي عليه السلام، وابن عباس، وابن عمر، وذكر أن طاووسا كان يقول: ليس الصقور، ولا الفهود، ولا النمور من الجوارح التي أحل الله جل ثناؤه أكل ما أكلت من صيدها، وقال غيرهم: إن هذه كلها كالكلاب في صيدها، وأكلها.
صفحة ٥٨