آداب الحوار من خلال سيرة مصعب بن عمير رضي الله عنه
الناشر
دار الأوراق الثقافية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٥ هـ
تصانيف
رابعًا: الحلم والصبر:
كان مصعب بن عمير ﵁ حليمًا صبورًا، فعندما أقبل عليه أسيد بن حضير ﵁ وقف عليه متشتمًا وزاجرًا له، وهدده وأمره باعتزال المكان، وما كان من مصعب ﵁ إلا أن تلطف معه وأشار إليه بالجلوس ليسمع منه (١)، فما زجره وما انتقم لنفسه ولم يقابله بالمثل، بل أحسن إليه بالكلام الليّن، والمعاملة الحسنة؛ لأنه يعرف أن المقابلة بالمثل سيكون معولًا هدامًا لسير عملية الحوار، فيتوقف بذلك الحوار، ويعجز عن تحقيق الهدف المنشود.
خامسًا: العزة والثبات على الحق:
لا بد للمؤمن أن يعتز بدين الله ويثبت على الحق في جميع المواطن، ولا يرخص نفسه ولا يذلها، يقول تعالى: ﴿... وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (٢).
فمصعب بن عمير ﵁ أعز نفسه بهذا الدين، وثبت على الحق، فعندما علمت أمه بمقدمه أرسلت إليه وقالت: " يا عاق، أتقدم بلدا أنا فيه لا تبدأ بي؟ فقال: ما كنت لأبدأَ بأحدٍ قبل رسول الله ﷺ. ثم ذهب إلى أمه، فقالت: إنك لعلى ما أنت عليه من الصَّبْأَةِ بعدُ! قال: أنا على دين رسول الله ﷺ وهو الإسلام الذي رضي الله لنفسه ولرسوله ... وجعلت تبكي، فقال مصعب ﵁: يا أماه إني لكِ ناصحٌ عليك شفيقٌ، فاشهدي أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله " (٣).
فلم يتوانَ مصعب بن عمير ﵁ ولم يتردد بالبدء برسول الله ﷺ، لأنه يعلم
_________
(١) المصدر السابق، ١/ ٤٣٥.
(٢) سورة المنافقون: آية (٨).
(٣) ابن سعد: الطبقات الكبرى، ٣/ ٨٨.
1 / 10