3
وفي كل قطر حجر وشجر. فكيف يخلص التوحيد مع كل هذه العقائد؟.
إنها تصد الناس عن الله الواحد، وتشرك معه غيره، وتسيء إلى النفوس، وتجعلها ذليلة وضيعة مخرفة، وتجردها من فكرة التوحيد، وتفقدها التسامي.
وأساس آخر يتصل بهذا التوحيد كان يفكر فيه «محمد بن عبد الوهاب»، وهو أن الله وحده هو مشرع العقائد، وهو وحده يحلل ويحرم، فليس كلام أحد حجة فن الدين إلا كلام الله وسيد المرسلين، فالله يقول:
أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ، فكلام المتكلمين في العقائد وكلام الفقهاء في التحليل والتحريم ليس حجة علينا، إنما أمامنا الكتاب والسنة، وكل مستوف أدوات الاجتهاد له الحق أن يجتهد، بل عليه أن يفعل ذلك ويستخرج من الأحكام - على حسب فهمه لنصوص الكتاب وما صح من السنة - ما يؤديه إليه اجتهاده، وإقفال باب الاجتهاد كان نكبة على المسلمين؛ إذ أضاع شخصيتهم وقوتهم على الفهم والحكم، وجعلهم جامدين مقلدين يبحثون وراء جملة في كتاب أو فتوى من مقلد مثلهم، حتى انحط شأنهم وتفرقوا أحزابا يلعن بعضهم بعضا، ولا منجاة من هذا الشر إلا بإبطال هذا كله، والرجوع إلى الدين في أصوله، والاستقاء من منبعه الأول.
وهكذا شغلت ذهنه فكرة التوحيد في العقيدة مجردة من كل شريك، وفكرة التوحيد في التشريع، فلا مصدر له إلا الكتاب والسنة.
هذا هو أساس دعوة محمد بن عبد الوهاب، وعلى هذا الأساس بنيت الجزئيات.
اقتفى في دعوته وتعاليمه عالما كبيرا، ظهر في القرن السابع الهجري في عهد السلطان الناصر هو «ابن تيمية». وهو - مع أنه حنبلي - كان يقول بالاجتهاد ولو خالف الحنابلة، وكان حر التفكير في حدود الكتاب وصحيح السنة، ذلق اللسان، قوي الحجة، شجاع القلب، لا يخشى أحدا إلا الله، ولا يعبأ بسجن مظلم، ولا تعذيب مرهق، فهاجم الفقهاء والمتصوفة، ودعا إلى عدم زيارة القبور والأضرحة وهدمها، وألف في ذلك الرسائل الكثيرة، ولم يعبأ إلا بما ورد في الكتاب والسنة، وخالف إمامه أحمد بن حنبل حين أداه اجتهاده إلى ذلك.
فيظهر أن «محمد بن عبد الوهاب» عرف ابن تيمية من طريق دراسته الحنبلية، فأعجب به، وعكف على كتبه ورسائله يكتبها ويدرسها. وفي المتحف البريطاني بعض رسائل لابن تيمية مكتوبة بخط ابن عبد الوهاب، فكان ابن تيمية إمامه ومرشده وباعث تفكيره، والموحي إليه بالاجتهاد والدعوة إلى الإصلاح.
دعا مثله إلى رد البدع والتوجه بالعبادة والدعاء إلى الله وحده، لا إلى المشايخ والأولياء والأضرحة ، ولا بواسطة توسل ولا شفاعة، وزيارة القبور إن كانت فللعظة والاعتبار، لا للتوسل والاستشفاع، فهم لا يملكون شيئا بجانب الله وقوانينه الثابتة التي لا تتخلف والتي نظم الله بها كونه، فالذبح للقبور والنذور لها والاستغاثة بها والسجود عندها شرك لا يرضاه الله، وهو هدم للتوحيد - الذي جاء به الإسلام - من أساسه، ومثل ذلك تجصيص القبور
نامعلوم صفحہ