وقد رأى أثناء إقامته في الحجاز ورحلاته إلى كثير من بلاد العالم الإسلامي؛ أن هذا التوحيد الذي هو مزية الإسلام الكبرى قد ضاع، ودخله كثير من الفساد.
فالتوحيد أساسه الاعتقاد بأن الله وحده هو خالق هذا العالم، والمسيطر عليه، وواضع قوانينه التي يسير عليها، والمشرع له، وليس في الخلق من يشاركه في خلقه ولا في حكمه، ولا من يعينه على تصريف أموره، لأنه تعالى ليس في حاجة إلى عون أحد مهما كان من المقربين إليه، هو الذي بيده الحكم وحده، وهو الذي بيده النفع والضر وحده لا شريك له، فمعنى لا إله إلا الله: ليس في الوجود ذو سلطة حقيقية تسير العالم وفقا لما وضع من قوانين إلا هو، وليس في الوجود من يستحق العبادة والتعظيم إلا هو، وهذا هو محرر القرآن:
قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون .
إذا فما بال العالم الإسلامي اليوم يعدل عن هذا التوحيد المطلق الخالص من كل شائبة إلى أن يشرك مع الله كثيرا من خلقه؟ فهؤلاء الأولياء يحج إليهم، وتقدم لهم النذور، ويعتقد أنهم قادرون على النفع والضر. وهذه الأضرحة لا عدد لها، تقام في جميع أقطاره، يشد الناس إليها رحالهم، ويتمسحون بها، ويتذللون لها، ويطلبون منها جلب الخير لهم ودفع الشر عنهم، ففي كل بلدة ولي أو أولياء، وفي كل بلدة ضريح أو أضرحة تشرك مع الله تعالى في تصريف الأمور ودفع الأذى وجلب الخير. كان الله سلطان من سلاطين الدنيا الغاشمين، يتقرب إليه بذوي الجاه عنده وأهل الزلفى
2
لديه ويرجون في إفساد القوانين وإبطال العدل. أليس هذا كما كان يقول مشركو العرب:
ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله
وقولهم:
هؤلاء شفعاؤنا عند الله .
بل وا أسفاه؟ لم يكتف المسلمون بذلك بل أشركوا مع الله حتى النبات والجماد، فهؤلاء أهل بلدة «منفوخة» باليمامة يعتقدون في نخلة هناك لها قدرة عجيبة، من قصدها من العوانس تزوجت لعامها، وهذا الغار في «الدرعية» يحج إليه الناس للتبرك، وفي كل بلدة من البلاد الإسلامية مثل هذا،؛ ففي مصر شجرة الحنفي، ونعل الكلشني، وبوابة المتولي
نامعلوم صفحہ