شاذة مخالفة لحديث عائشة الصحيح أنه كان عند بدء الوحى أعمى ولم ينشب (أى لم يلبث) أن مات، وقد كان تعذيب بلال بعد إظهار دعوة النبوة ودخول الناس فيها، وكان هذا بعد بدء الوحى بثلاث سنين.
وأميل درمنغام قد غلط فيما نقله عن خبر فترة الوحى لاختلاط الروايات عليه فيها، وعدم اطلاعه على ما دوّن فى كتب الحديث منها، وإنما كان هم المحدثين فى خبر ورقة أن يعلموا أكان صحابيا أم لا؟ فإنّ الصحابىّ هو من لقى النبىّ ﷺ بعد البعثة مؤمنا به، ولو بلغهم عنه أى شىء من علمه بالتوراة أو الإنجيل غير ما ذكروه لنقلوه.
المقدمة الثالثة: دعوى انتشار اليهودية والنصرانية فى بلاد العرب
ذكروا ما كان من انتشار اليهودية والنصرانية فى بلاد العرب قبل الإسلام، ومن تنصر بعض فصحاء العرب وشعرائهم، كقس بن ساعدة الأيادى، وأمية بن أبى الصلت وإشادة هؤلاء بما كانوا يسمعون من علماء أهل الكتاب عن قرب ظهور النبى الذى بشر به موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء، وقد نشرنا بعض بشاراتهم من التوراة والأناجيل وكتب النبوات بنصوصها المعتمدة عندهم فى تفسير قوله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ [الأعراف: ١٥٧] ولكن لم يثبت أنه ﷺ سمع منها شيئا.
فأما قس فقد مات قبل البعثة. وروى أن النبى ﷺ رآه قبل البعثة بزمن طويل يخطب الناس فى سوق عكاظ على جمل له احمر وقيل أورق، بكلام له مونق، قال فيه: «إن لله دينا خيرا من دينكم الذى أنتم عليه ونبيا قد أظلكم زمانه، وأدرككم آوانه، فطوبى لمن أدركه فاتبعه، وويل لمن خالفه». والروايات فى هذا ضعيفة، (بل بعضها موضوع وبعضها منقطع)، وتعددها قد يدل على أن لها أصلا، ولو حفظ من كلامه شىء بسند صحيح لبينوه قطعا.
وأما أمية بن أبى الصلت الثقفى فهو شاعر مشهور، قال أبو عبيدة: اتفقت العرب على أن أمية أشعر ثقيف، وقال الزبير بن بكار: حدّثنى عمّى قال كان أمية فى الجاهلية نظر الكتب وقرأها، ولبس المسوح تعبدا، وكان يذكر إبراهيم وإسماعيل والحنفية، وحرم الخمر،
1 / 66