المقدمة الأولى: لشبهة الوحى النفسى دعوى الأخذ عن بحيرا الراهب
قالوا: إن محمدا لقى بحيرا الراهب فى مدينة بصرى بالشّام، وقالوا: إنه كان نسطوريا من أتباع آريوس فى التوحيد، وينكر ألوهية المسيح وعقيدة التثليث، وأن محمد لا بد أن يكون على علم من عقيدته، وقالوا فى بحيرا أيضا: إنه كان عالما فلكيا منجما، وحاسبا ساحرا. وإنه كان يعتقد أن الله ظهر له وأنبأه بأن سيكون هاديا لآل إسماعيل إلى الدين المسيحى، بل سمعنا من بعض الرهبان أنه كان معلما لمحمد ومصاحبا له بعد رسالته، وأن محمدا ما حرم الخمر إلا لأنه قتل أستاذه بحيرا وهو
سكران. وأسرفوا فى هذه الافتراء والبهتان، وكل ما عرفه المسلمون من رواة السيرة النبوية أن النبى ﷺ لما خرج مع عمه أبى طالب إلى الشام وهو ابن تسع سنين وقيل ١٢ سنة رآه هذا الراهب مع قريش ورأى سحابة تظلله من الشمس، وذكر لعمه أنه سيكون له شأن، وحذره من اليهود وفى المسألة روايات بمعناها ضعيفة الأسانيد، إلا رواية للترمذى ليس فيها اسم بحيرا وفيها غلط فى المتن وليس فى شىء من تلك الروايات أنه ﷺ سمع من بحيرا شيئا من عقيدته أو دينه.
المقدمة الثانية: دعوى الأخذ عن ورقة بن نوفل
قالوا: إن ورقة بن نوفل كان من منتصرة العرب العلماء بالنصرانية وأحد أقارب خديجة- يوهمون القارئ أنه ﷺ أخذ عنه شيئا من علم أهل الكتاب- والذى صحّ من خبر ورقة هذا، هو ما رواه الشيخان فى الصحيحين، وغيرهما من أن خديجة أخذته ﷺ عقب إخباره إياها بما رآه فى حراء إلى ورقة هذا وأخبرته خبره، وكان شيخا قد عمى، ولم يلبث بعد ذلك أن توفى، ولم ينقل أن النبى ﷺ رأى قبل ذلك، (وسأذكر نص الحديث فى آخر هذا المبحث)، وقد استقصى المحدثون والمؤرخون كل ما عرف عن ورقة هذا مما صح سنده، ومما لم يصح له سند كدأبهم فى كل ما له علاقة بالنبى ﷺ والإسلام، فلم يذكر أحد منهم أنه عرف عنه دعوة إلى النصرانية أو كتابة فيها، وإنما ورد فى بعضها أنه قال حين علم من خديجة خبر محمّد: إنه هو النبىّ المنتظر الذى بشرّ به المسيح عيسى ابن مريم، وفى بعضها، أنه عاش حتى رأى بلالا يعذّبه المشركون ليرجع عن الإسلام، ولكن هذه الرواية
1 / 65