رسالة التوحيد المثل «كلّ الصّيد فى جوف الفرا «١»»، فإن بقيت عنده شبهة فالأولى أن يتفضل بزيارتنا لأجل المذاكرة الشفاهية فى الموضوع؛ فإن المشافهة أقوى بيانا، وأنصع برهانا، ونحن نعاهده على أن نكتم أمره وإن أبى فليكتب إلينا ما يظهر له من الشبهة على ما فى الرسالة والأمالى من الاستدلال على وقوع النبوة بالفعل، وعند ذلك نسهب فى الجواب بما نرجو أن يكون مقنعا، على أن المشافهة أولى كما هو معقول، وكما ثبت لنا بالتجربة مع كثير من المشتبهين والمرتابين. أ. هـ. جوابنا فى المنار «٢».
هذا وإن ما بينه الأستاذ الإمام فى إثبات وقوع الوحى لا يستطيع أحد فهمه حقّ الفهم، وهو يؤمن بوجود الله العلى الحكيم الفاعل المختار إلّا أن يقبله ويذعن له، فإنه بين أن الوحى والرسالة بالمعنى الذى قرره لازم عقلى لعلمه تعالى وحكمته وكونه هو (الذى أعطى كلّ شىء خلقه ثمّ هدى)، ولا يفهمه حقّ الفهم إلا من أوتى نصيبا من علم الاجتماع وحكمة الوجود وسننه وأصول العقائد، ونصيبا آخر من بلاغة اللغة العربية، وأن نبوة محمد ﷺ ورسالته يمكن إثباتها بما دون هذه الفلسفة والبلاغة، وهو ما قهر عقول علماء الإفرنج على تصديق دعوته، وحمل الماديين على تصويرها بما نبسطه فيما يأتى ونقفى عليه بإثبات بطلانه.
تفصيل الشبهة ودحضها بالحجة
قد فصل (أميل درمنغام) الشبهة التى أجملها مونتيه بما لم نر مثله لغيره من كتاب الإفرنج، حتى اغتر بكلامه كثير من المسلمين، وأنه لحسن الثناء ولكنه يسرّ حسوا فى ارتغاء، فإن كان حكيمنا السيد/ جمال الدين قال لبعض مجادلى النصرانية: «إنكم فصلتم قميصا من رقاع العهد القديم وألبستموها للمسيح ﵇». فنحن نقول لهم: «إنكم فصلتم قميصا آخر مما استنبطتم من تاريخ الإسلام لا من نصوصه، وحاولتم خلعها على محمد ﷺ». وإننى أشرح هذه الشبهة بأوضح مما كتبه درمنغام، وما بلغنى عن كل أحد منهم، ثم أكر عليها بالنقض والدحض، وأبدأ بمقدماتها وهى عشر:
_________
(١) الفراء- بفتح الفاء مقصورا- اسم لحمار الوحش وهو خير ما يصاد لكبره وكثرة لحمه وجودته، وأصل المثل أن ثلاثة رجال خرجوا للصيد فاصطاد أحدهم أرنبا والآخر ظبيا، واصطاد الثالث حمارا وحشيا، فقال لهما وقد أعجب بما أصاب (كل الصيد فى الفرا) أى كل ما يصاد يصغر دونه، كأنه يغيب فى جوفه.
(٢) الظاهر أن ذلك السائل قد اقتنع بجوابنا إذ لم يكتب لنا بعده شيئا، وكذلك الأستاذ فقد رضى به وأعجبه.
1 / 64