وفي اليوم التالى عاد إيليا إلى البيت الأحمر فوجد أستير على ما كانت عليه أمس، وقد ابتسمت له هذه المرة، وحادثته وضاحكته.
وفي اليوم الثالث أصبحت تقعد، وتطلب دفاترها؛ لتكتب فيها.
وقد عجب إيليا من أن أستير صارت في مرضها أكثر جمالا مما كانت، ولكن إيليا نسي المبدأ المشهور : «إن الجمال في عين الرائي» ولذلك لم يعلم أن ذلك الجمال الجديد الذي أصبح يجده لها كان في نفسه فقط، وذلك من قبيل الشفقة على نحولها وضعفها والخوف على حياتها.
وأقامت أستير خمسة أيام متتالية، وعليها ظواهر الصحة مع صداع في رأسها، وكان إيليا كلما زارها وجدها مشغولة بالكتابة في دفتر تضعه تحت وسادتها، وحين دخوله كانت تطوي هذا الدفتر مبتسمة، وتدسه في قميصها.
وفي اليوم السادس لما زارها إيليا طلبت أن تحمل إلى الحديقة لتجلس ساعة فيها، وكان الوقت قبل منتصف النهار، والشمس تكسر شوكة البرد بحرارتها المحيية. فأخرجوها إلى مقعد تحت شجرة ظليلة، فجلست هناك قريبة من أمها ومن إيليا.
وكانت هذه أول مرة تخرج فيها أستير إلى النور، وتتنشق هواء السماء النقي بعد مرضها. فانشرح صدرها للذة الحياة وأبرقت عيناها، ولكنها لم تلبث أن تغيرت فانقبضت، وسطع في عينيها دمعتان جميلتان كنقط المطر الصافية التي كانت لا تزال على أغصان الأشجار تترقرق في نور الشمس الذهبي كأحجار ماسية معلقة بها.
فانتبه إيليا إلى انقباضها هذا بعد الانشراح، ولكنه لم يعلم له سببا.
أما أستير فإنها أسندت رأسها اللطيف إلى يدها النحيفة، وصارت تنظر بحزن إلى ما حولها من جمال السماء والأرض.
وبينما هي في تأملها هذا سقطت نقطتان من نقط المطر التي على الشجرة كأن أحد العصافير قصد مداعبة أستير فرشقها بهما. فوقعت إحدى النقطتين على يد أستير والأخرى على التراب أمامها.
فحينئذ ابتسمت أستير ونظرت إلى إيليا وقالت: هل نظرت ما نظرت؟ فأجاب إيليا: نعم نظرت. فقالت أستير: فبماذا تشبههما؟ فقال إيليا: أشبههما بمذهبي الجاحد والمؤمن. فحملقت أستير وأشارت بعينها إلى أمها كأنها ترجو منه أن لا يبحث في أمر ديني على مسمع منها، وإن كانت لا تحسن اليونانية. فعلم إيليا أنها لم تفهم كلامه فال: نعم أشبههما بمذهبي الجاحد والمؤمن. فإن النقطة التي وقعت على الأرض وصارت وحلا دنيئا رمز إلى مذهب الأول في مصير الإنسان، والنقطة التي وقعت على يدك وبقيت ماسة صافية جميلة رمز إلى مذهب الثاني.
نامعلوم صفحہ