وميلهم للْعُلَمَاء المتملقين الْمُنَافِقين، الَّذين يتصاغرون لديهم، ويتذللون لَهُم، ويحرفون أَحْكَام الدّين ليوفقوها على أهوائهم؛ فَمَاذَا يُرْجَى من عُلَمَاء يشْتَرونَ بدينهم دنياهم، ويقبلون يَد الْأَمِير لتقبل الْعَامَّة أَيْديهم، ويحقرون أنفسهم للعظماء ليتعاظموا على أُلُوف من الضُّعَفَاء، اكبر هَمهمْ التحاسد والتباغض والتخاذل والتفاشل، لَا يحسنون أمرا من الْأُمُور حَتَّى وَلَا الْخُصُومَة، فتراهم لَا يتراغمون إِلَّا بتكفير بَعضهم بَعْضًا عِنْد الْأُمَرَاء والعامة.
وَهَذَا دَاء عياء صَعب المداواة جدا، لِأَن كبر الْأُمَرَاء يمنعهُم من الْميل إِلَى الْعلمَاء العاملين، الَّذين فيهم نوع غلظة لَا بُد مِنْهَا، ولنعما هِيَ مزية لولاها لفقد الدّين بِالْكُلِّيَّةِ (مرحى) .
فَلَا شكّ أَن فِي هَذَا الزَّمَان، أفضل الْجِهَاد فِي الله الْحَط من قدر الْعلمَاء الْمُنَافِقين عِنْد الْعَامَّة، وتحويل وجهتهم لاحترام الْعلمَاء العاملين؛ حَتَّى إِذا رأى الْأُمَرَاء انقياد النَّاس لهَؤُلَاء أَقبلُوا هم أَيْضا عَلَيْهِم رغم أنوفهم. وأذعنوا لَهُم طَوْعًا أَو كرها؛ على أَنه يجب على حكماء الْأمة الْمُجَاهدين فِي الله أَن يعتنوا بالوسائل اللينة لتثقيف عقول الْعلمَاء العاملين، لِأَن الْعلم رَافع للْجَهْل فَقَط، وَلَا يُفِيد عقلا وَلَا كياسة؛ فَيلْزم تعليمهم وتعريفهم كَيفَ تكون سياسة الدّين، وَهَكَذَا
1 / 65