أَن لمثل هَذَا الْمقَام فِي الْأمة شرفا باذخا يتعاظم عل نِسْبَة الهمم فِي تحمل عنائه وَالْقِيَام بأعبائه. فبعض ضعيفي الْعلم وفاقدي الْعَزْم تطلعوا إِلَى هَذِه الْمنزلَة الَّتِي هِيَ فَوق طاقتهم، وحسدوا أَهلهَا المتعالين عَنْهُم، فتحيلوا للمزاحمة والظهور مظهر الْعلمَاء العظماء بالأغراب فِي الدّين وسلوك مَسْلَك الزاهدين؛ وَمن الْعَادة أَن يلجأ ضَعِيف الْعلم إِلَى التصوف، كَمَا يلجأ فَاقِد الْمجد إِلَى الْكبر، وكما يلجأ قَلِيل المَال إِلَى زِينَة اللبَاس والأثاث (مرحى) .
فَصَارَ هَؤُلَاءِ المتعالين يدلسون على الْمُسلمين بِتَأْوِيل الْقُرْآن بِمَا لَا يحْتَملهُ مُحكم النّظم الْكَرِيم، فيفسرون مثلا الْبَسْمَلَة أَو الْبَاء مِنْهَا بسفر كَبِير، تَفْسِيرا مملوءًا بِلَفْظ لَا معنى لَهُ، أَو بِحكم لَا برهَان عَلَيْهِ. ثمَّ جَاءُوا الْأمة بوراثة أسرار أدعوها، وعلوم لدنيات ابتدعوها، وتسنم مقامات اخترعوها، وَوضع أَحْكَام لفقوها وترتيب قربات زخرفوها، وبالإمعان نجدهم قد جَاءُوا مصداقا لما ورد فِي الحَدِيث الصَّحِيح: (لتتبعن سنَن من كَانَ قبلكُمْ شبْرًا بشبر وذراعا بِذِرَاع)، وَفِي رِوَايَة (حَذْو القذة بالقذة، حَتَّى لَو دخلُوا جُحر ضَب تبعتموهم)، (قُلْنَا يَا رَسُول الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى، قَالَ هُوَ: فَمن)؛ وَذَلِكَ أَن هَؤُلَاءِ المدلسين اقتبسوا مَا هُنَالك كُله أَو جله عَن أَصْحَاب التلمود
1 / 40