الْأَمر مِنْكُم﴾ مَعَ الْغَفْلَة عَن المُرَاد بأولي الْأَمر، وَمَا تَقْتَضِيه صِيغَة الْجمع، وَمَا يَقْتَضِيهِ قيد (مِنْكُم)، وَالثَّانيَِة قَوْله تَعَالَى: ﴿وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله﴾ مَعَ إغفال: هَل الْجِهَاد الْمَأْمُور بِهِ مَا يستحصل بِهِ إعزاز كلمة الله، أم مَا نؤيد بِهِ سلطة الْأُمَرَاء العاملين على الْإِطْلَاق؛ فإهمال الاهتمام بِالدّينِ قد جر الْمُسلمين إِلَى مَا هم عَلَيْهِ حَتَّى خلت قُلُوبهم من الدّين بِالْكُلِّيَّةِ، وَلم يبْق لَهُ عِنْدهم أثر إِلَّا على رُؤُوس الألسن، لَا سِيمَا عِنْد بعض الْأُمَرَاء الْأَعَاجِم، الَّذين ظواهر أَحْوَالهم وبواطنها تحكم عَلَيْهِم بِأَنَّهُم لَا يتراؤون بِالدّينِ إِلَّا بِقصد تَمْكِين سلطتهم على البسطاء من الْأمة، كَمَا أَن ظواهر عقائدهم وبواطنها تحكم عَلَيْهِم بِأَنَّهُم مشركون وَلَو شركا خفِيا من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ.
فَإِذا أضيف إِلَى شركهم هَذَا مَا هم عَلَيْهِ من الظُّلم والجور، يحكم عَلَيْهِم الشَّرْع وَالْعقل بَان مُلُوك الْأَجَانِب أفضل مِنْهُم وَأولى بِحكم الْمُسلمين، لأَنهم أقرب للعدل ولإقامة الْمصَالح الْعَامَّة، وأقدر على إعمار الْبِلَاد وترقية الْعباد، وَهَذِه هِيَ حِكْمَة الله فِي نزع الْملك من أَكْثَرهم، كَمَا يَقْتَضِيهِ مَفْهُوم: لَا يهْلك الله الْقرى وَأَهْلهَا مصلحون.
وَقد افتخر النَّبِي ﵇ بِأَنَّهُ ولد فِي زمن كسْرَى
1 / 37