سَبَب آخر.
ثمَّ قَالَ: ويلوح لي أَن انحطاطنا من أَنْفُسنَا، إِذْ أننا كُنَّا خير أمة أخرجت للنَّاس نعْبد الله وَحده، أَي نخضع ونتذلل لَهُ فَقَط، ونطيع من أطاعه مَا دَامَ مُطيعًا لَهُ، نأمر بِالْمَعْرُوفِ وننهى عَن الْمُنكر، امرنا شُورَى بَيْننَا، نتعاون على الْبر وَالتَّقوى وَلَا نتعاون على الْإِثْم والعدوان، فتركنا ذَلِك كُله مَا صَعب مِنْهُ وَمَا هان.
وَقد يظنّ أَن أصعب هَذِه الْأُمُور النَّهْي عَن الْمُنكر، مَعَ أَن إِزَالَة الْمُنكر فِي شرعنا تكون بِالْفِعْلِ، فَإِن لم يكن فبالقول، فَإِن لم يكن فبالقلب، وَهَذِه الدرجَة الثَّالِثَة هِيَ الْأَعْرَاض عَن الخائن وَالْفَاسِق والنفور مِنْهُ وإيطال بغضه فِي الله؛ وَمن علائم ذَلِك تجنب مجاملته ومعاملته، وَلَا شكّ أَن ايفاء هَذَا الْوَاجِب الديني كَاف للردع، وَلَا يتَصَوَّر الْعَجز عَنهُ قطّ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض لفسدت الأَرْض﴾؛ فَهَذَا هُوَ سَبَب استرسال الْأمة لعبادة الْأُمَرَاء والأهواء والأوهام، وَلَا طَاعَة العصاة اخْتِيَارا، ولترك التناصح، وللركون إِلَى الفسّاق والأذعان للاستبداد وللتخاذل فِي الْخَيْر وَالشَّر، قَالَ: ﴿ولتكن مِنْكُم أمة يدعونَ إِلَى الْخَيْر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر وَأُولَئِكَ هم المفلحون﴾ وَعنهُ [ﷺ]
1 / 35