وَهَكَذَا ضعف إحساسنا وَمَاتَتْ غيرتنا، وصرنا نغضب ونحقد على من يذكرنَا بالواجبات الَّتِي تقتضيها الْحَيَاة الطّيبَة، لعجزنا عَن الْقيام بهَا عَجزا واقعيًا لَا طبيعيًا.
هَذَا ونعترف أَن فِينَا بعض أَقوام قد ألفوا أُلُوف سِنِين الاستعباد والاستبداد، والذل والهوان، فَصَارَ الانحطاط طبعا لَهُم تؤلمهم مُفَارقَته؛ وَهَذَا هُوَ سَبَب أَن السوَاد الْأَعْظَم من الهنود والمصريين والتونسيين لَا سِيمَا بعد أَن نالوا رغم أنوفهم الْأَمْن على الْأَنْفس وَالْأَمْوَال، وَالْحريَّة فِي الآراء والأعمال، وَلَا يَرِثُونَ وَلَا يتوجعون لحالة الْمُسلمين فِي غير بِلَادهمْ، بل ينظرُونَ للناقمين على أمرائهم الْمُسلمين شذرا، وَرُبمَا يعتبرون طالبي الْإِصْلَاح من المارقين من الدّين، كَأَن مُجَرّد كَون الْأَمِير مُسلما يُغني عَن كل شَيْء حَتَّى عَن الْعدْل، وَكَأن طَاعَته وَاجِبَة على الْمُسلمين، وَإِن كَانَ يخرب بِلَادهمْ وَيقتل أَوْلَادهم ويقودهم ليسلمهم لحكومات أَجْنَبِيَّة، كَمَا جرى ذَلِك قبلا مَعَهم، وَالْحَاصِل أَن فَقدنَا الْحُرِّيَّة هُوَ سَبَب الفتور والتقاعس عَن كل صَعب وميسور.
أجَاب الْمُجْتَهد التبريزي: أَن هَذَا الْحَال لَيْسَ بعام، مَعَ أَن الفتور لم يزدْ إزديادًا عَاما، بل هُوَ فِي ازدياد واستحكام فَلَا بُد لذَلِك من
1 / 34