والتأويل فى ذلك أن ظاهره ما جاء فى كتاب الدعائم فإن ذلك هو فرض ما يلزم قلب الإنسان فى الظاهر ويلزمه اعتقاده فيه، وباطنه أن القلب مثله مثل الإمام وأن ذلك يلزم الإمام فى خاصة نفسه الإقرار به وبمعرفته، والسمع والبصر واللسان واليدان والرجلان هى رؤساء الجوارح والقلب رئيسها وأميرها ، كذلك أمثالها أمثال حدود الإمام الذين هم رؤساء الناس والإمام فوقهم ورئيسهم ففرض تعالى على كل جارحة من الإيمان بحسب ما جعل فيها من القوة والقبول والاستطاعة، ففرض على البصر النظر فيما أمر بالنظر فيه والغض عما نهى عن النظر إليه وكذلك فرض على السمع استماع ما فرض عليه استماعه والإعراض عما نهاهم نهيا[1] عن الإصغاء إليه وكذلك فرض على اللسان القول بما افترض الله عليه القول به والسكوت عما نهى عن أن يقوله وكذلك فرض على اليدين تناول الواجب والعمل به والكف عما نهى عنه وعلى الرجلين السعى فى الواجب والوقوف عما لا يجب، وكذلك فرض على أمثالهم من حدود أولياء الله لكل ذى حد منهم حده الذي نصب له عليه أن يعمل بما أمر أن يعمله ويمسك عما نهى عنه وعما لم يؤذن له فيه ولكل واحد منهم عمل كما تقدم وكل به لا يشركه فيه غيره ولا يشرك هو غيره فيما ليس من عمله كما لكل جارحة من هذه الجوارح عمل لا يشركها غيرها فيه فالقول للسان والنظر للبصر والسمع للأذن والتناول والبطش لليدين والسعى والوقوف للرجلين، وليس ينظر المرء بلسانه ولا يسمع بعينه ولا ينطق بأذنيه، ولا تعدو جارحة من الجوارح ما جعل لها كذلك أمثالها من أسباب أولياء الله لكل واحد منهم حد لا يعدوه إلى غيره وسائر الجوارح التى هى دون ذلك هى اتباع لهذه الجوارح ومستعملة باتباعها فيما تعمله وكذلك سائر الخلق مأمورون باتباع من نصبه لهم أولياء الله.
وأما ما جاء فى كتاب الدعائم من أن الإيمان يزيد وينقص بقدر ما يعمله العبد ويعتقده فكذلك مثله الذي هو باطن يزيد وينقص بقدر عمل من يعمله ويعتقده فإن هو حافظ عليه وقام بحدوده وفى الباطن بشرائطه وما أخذ عليه فيه فتح الله له فى الزيادة منه وإن هو قصر فى ذلك نقص من المادة والتأييد فيه بقدر ما قصر ولذلك تفاضل المؤمنون فى درجات علمه وإن استووا فى سماعه بقدر حفظهم إياه وتقصيرهم فيه ولذلك قد لا يعى شيئا منه من ضيع حدوده ورفض واجبه وإن سمعه
صفحہ 56