النزول: روي انها لما حولت القبلة الى الكعبة عاب الكفار المسلمين على ذلك فنزلت الآية واعلم ان اول ما نسخ من امور الشريعة امر القبلة وذلك ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واصحابه كانوا يصلون بمكة الى القبلة، وقيل: الى بيت المقدس فلما هاجر الى المدينة أمر بالصلاة الى بيت المقدس ليكون أقرب الى تصديق اليهود لأنهم يجدون نعته عندهم كذلك فصلى الى بيت المقدس سبعة عشر شهرا، وقيل: ثمانية عشر شهرا، وقيل: ستة عشر شهرا ونزل عليه جبريل (عليه السلام) فأمره بالصلاة الى الكعبة فقال اهل مكة: يا محمد رغبت عن ملة ابائك ثم رجعت اليها فليرجعون الى دينهم، فلما حولت القبلة الى الكعبة، قالت اليهود: يا محمد ما امرت بهذا او ما هو الا شيء منك تارة تصلي الى بيت المقدس وتارة تصلي الى الكعبة { لتكونوا شهداء على الناس } روي ان الامم يوم القيامة يجحدون تبليغ الانبياء اليهم فيطالب تعالى الانبياء بالبينة على انهم قد ابلغوا وهو اعلم فيؤتى بأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فيشهدون فتقول الامم: من اين عرفتم ذلك؟ فيقولون: علمنا ذلك باخبار الله في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق فيؤتى بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فيسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بعدالتهم وذلك قوله تعالى:
فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا
[النساء: 41] { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها } قيل: بيت المقدس الذي كانوا يصلون اليه، وقيل: مكة والكعبة، والمراد التي انت عليها ويحتمل ذلك بمعنى صرت عليها يعني الكعبة { إلا لنعلم من يتبع الرسول } قيل: لنعلم حزبنا من النبي والمؤمنين، وقيل: معناه لنجعل العلم موجودا { ممن ينقلب على عقبيه } قيل: ان قوما ارتدوا عن الإسلام لما حولت القبلة ومعنى على عقبيه انه يكفر بالله ورسوله، وقيل: المراد به كل مقيم على الكفر { وإن كانت لكبيرة } الضمير يعود الى القبلة، قيل: كانت التولية، وقيل: كانت القبلة، وقيل: الصلاة اليها الثقيلة إلا على الذين { هدى الله } مثل علي (عليه السلام) وأتباعه، قال جار الله: الا على الثابتين الصادقين في اتباع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لطف الله بهم وما كان الله ليضيع ايمانكم في ثباتكم على الايمان، وقيل: من صلى الى بيت المقدس قبل التحول فصلاته غير ضائعة.
[2.144-150]
{ وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } يعني اينما كنتم من مشارق الارض ومغاربها فولوا وجوهكم شطره يعني جهته، وقيل: بعضه { وإن الذين أوتوا الكتاب ليلعمون أنه الحق من ربهم } يعني اليهود اهل التوراة والانجيل انه الحق، قيل: التوجه الى الكعبة حق لانها قبلة ابراهيم (عليه السلام)، وقيل: النبي حق ودينه حق لأنه مذكور في كتبهم، روي ان يهود المدينة ونصارى نجران قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ائتنا بآية كما اتى الانبياء قبلك، فأنزل الله تعالى: { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية } يعني بكل برهان { ما تبعوا قبلتك } لان تركهم اتباعك ليس عن شبهة انما هو عن مكابرة وعناد { وما أنت بتابع قبلتهم } حسم لأطماعهم لأنهم كانوا يقولون لو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو ان يكون صاحبنا { وما بعضهم بتابع قبلة بعض } يعني أنهم مع اتفاقهم على مخالفتك مختلفون وذلك ان اليهود تستقبل بيت المقدس والنصارى مطلع الشمس { ولئن اتبعت أهواءهم } يا محمد في المداراة حرصا على ان يؤمنوا { إنك إذا لمن الظالمين } لنفسك اي قد علمت انهم لا يؤمنون، وقيل: الخطاب للنبي والمراد كل من كان بتلك { الذين آتيناهم الكتاب } الآية نزلت في عبد الله بن سلام، قال له عمر: كيف تعرف نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: يا عمر لقد عرفته فيكم حين رأيته كما أعرف ابني اذا رأيته مع الصبيان يلعب وانه لنبي حق { فاستبقوا الخيرات } يعني امر القبلة وغيرها من الطاعات { ومن حيث خرجت } اي ومن اي بلد خرجت للسفر { فول وجهك شطر المسجد الحرام } اذا صليت وهذا التكرار لتأكيد امر القبلة وتشديده، وقيل: الاولى في مسجد المدينة، والثانية خارج المسجد، والثالثة خارج البلد { إلا الذين ظلموا منهم } وهم اهل مكة حين قالوا: بدا له فرجع الى قبلة آبائه وهو اهله رجع الى دينهم، وقيل: هم اليهود قالوا لما انحرف الى الكعبة قالوا: ما هو يعمل الا برأيه وهم يعلمون انه حق { فلا تخشوهم } فلا تخافوا مطاوعتهم في ملتهم فانهم لا يضروكم مطامعهم { واخشوني } فلا تخالفوا أمري { ولأتم نعمتي عليكم } في الآخرة بالثواب كما أتممتها عليكم في الدنيا بارسال الرسل، وفي الحديث:
" تمام النعمة دخول الجنة "
وعن علي (عليه السلام): " تمام النعمة الموت على الإسلام ".
[2.151-158]
{ كما أرسلنا } اما ان يتعلق بما قبله اي ولأتم نعمتي عليكم في الدنيا بارسال الرسل وبما بعده اي كما ذكرتكم بارسال الرسل { ويعلمكم الكتاب } القرآن { والحكمة } الشرائع والاحكام { فاذكروني } بالطاعة { اذكركم } بالثواب، وقيل: اذكروني بطاعتي اذكركم بمغفرتي، وقيل: اذكروني بالشكر اذكركم بالزيادة، وقيل: اذكروني في النعمة والرخاء اذكركم في الشدة والبلاء { يأيها الذين آمنوا استعينوا } اطلبوا المعونة { بالصبر والصلاة } وانما خصهما لما فيهما من المعونة والصبر وحبس النفس عما تدعو اليه وكذلك الصبر على مشاق الطاعات { إن الله مع الصابرين } يعني بالمعونة والنصر، وقيل: بالتوفيق بالتسديد { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله } قيل: الآية نزلت في شهداء بدر وكانوا اربعة عشر رجلا وكانوا يقولون مات فلان وانقطع عنه نعيم الدنيا، قيل: هم احياء في قبورهم، وقيل: احياء في الجنة، وقيل: احياء في السماء عند سدرة المنتهى { ولنبلونكم } اي لنختبرنكم ومعناه نعاملكم معاملة المختبر ليظهر المعلوم منكم بشيء قليل من كل واحد من هذه البلايا { من الخوف } خوف العدو { ونقص من الأموال } هلاك المواشي ونقصان الاموال { والأنفس } قيل: بالموت، وقيل: بالقتل، وقيل: بالامراض، وقيل: بالشيب، وقال الشافعي (رحمه الله): الخوف خوف الله والجوع صوم رمضان ونقصان الاموال الزكاة { وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون } المسترجعين عند البلاء،
" وروي انه طفئ سراج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: " انا لله وانا اليه راجعون " فقيل: أمصيبة هي؟ قال: " نعم كل شيء يؤذي المؤمن فهو مصيبة "
نامعلوم صفحہ