[1 - سورة الفاتحة]
[1.1]
النزول: روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال:
" لم ينزل { بسم الله الرحمن الرحيم } على أحد قبلي الا على سليمان ".
[1.2]
الكلام: في التفسير للحمد: { الحمد } والمدح اخوان وهو الثناء الحسن على الجميل من نعمه وغيرها، تقول: حمدت الرجل على انعامه، وحمدته على حسبه وشجاعته، وأما الشكر فهو على النعمة خاصة وهو بالقلب واللسان والجوارح، قال:
افادتكم النعماء مني ثلاثة
يدي ولساني والضمير المحجبا
{ رب } الرب السيد المالك، وقيل: سيد الخلق ومالكهم، وقيل: منشئهم ومربيهم. { العالمين } هم الجن والانس والملائكة. وروي عن زيد بن علي (عليه السلام) أنه قال: " لله تعالى أربعة عشر ألف عالم: الجن والإنس منها عالم واحد " وعن وهب: " لله تعالى ثمانية عشر ألف عالم: الدنيا منها عالم واحد " وقيل: كل ذي روح لأن لفظ الرب يدل عليه، وقيل: الخلق جميعهم، وقيل: أهل كل زمان.
[1.3-7]
نامعلوم صفحہ
{ الرحمن } المنعم بنعم الدنيا والدين. { الرحيم } واسع الرحمة. { ملك } قرأ عاصم مالك بالألف. { يوم الدين } يوم الجزاء، وقيل: يوم القهر، وقيل: يوم الحساب، ومنه: " كما تدين تدان ". { إياك نعبد } أي نخضع لك بالعبادة والاستعانة، لا نعبد غيرك ولا نستعينه، إلتفات خرج من الغيبة إلى الخطاب، والإلتفات يكون من الغيبة الى الخطاب مثل هذا، ومن الخطاب الى الغيبة مثل قوله تعالى:
حتى اذا كنتم في الفلك وجرين بهم
[يونس: 22] ومن الغيبة الى المتكلم مثل قوله تعالى:
والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه الى بلد ميت
[فاطر: 9] وقد التفت امرئ القيس ثلاثة التفاتات في ثلاثة أبيات وهو قوله:
تطاول ليلك بالاثمد
ونام الخلي ولم يرقد
وبات وباتت له ليلة
كليلة ذي العابر الارمد
وذلك من نبإ جاءني
نامعلوم صفحہ
وخبرته عن أبي الاسود
العابر: انسان العين، والرمد: وجع العين، وكان من حقه ان يقول: تطاول ليلي بالاثمد، لأنه يخاطب نفسه. { واياك نستعين } اي نطلب المعونة منك على عبادتك.
{ اهدنا } اي دلنا { الصراط المستقيم } الطريق الواضح، ومنه:
ولا تقعدوا بكل صراط توعدون
[الأعراف: 86] وقيل: طريق الإسلام، وقيل: القرآن، وقيل: طريق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واصحابه، قال أمير المؤمنين على صراط:
إذا اعوج الموارد مستقيم
وقيل: الدين الذي لا يقبل الله من العباد غيره. { صراط الذين أنعمت عليهم } قرأ ابن مسعود صراط من أنعمت عليهم، وقرأ حمزة الزراط بالزاي، وابن كثير بالسين عليهم: قرأ حمزة برفع الها حيث وقع وهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، وعن ابن عباس هم أصحاب موسى قبل ان يغيروا، وقيل: هم الانبياء. { غير المغضوب عليهم } هم اليهود. { ولا الضالين } هم النصارى، وقيل: المغضوب عليهم هم اليهود والنصارى، ولا الضالين هم الكفار، وقيل: هم اهل البدع، يستحب للقارئ أن يقول بعد فراغه من قراءة الفاتحة: آمين، بعد سكتة على نون ولا الضالين، ليميز ما هو قرآن بما ليس بقرآن، تجريد.
[2 - سورة البقرة]
[2.1-3]
الكلام: في أوائل السور مثل { الم } و { الر } و { حم } و { طس } و { طسم } و { المص } و { كهيعص } قيل: هي أسماء للسور، وقيل: أسماء لله تعالى، روي: ذلك عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه كان يقول في دعائه: " يا حم يا طس يا كفها " ، وقيل: مأخوذة من اسماء الله تعالى، وقيل: أسماء كانت العرب تكاتب بها فنزل القرآن عليها فلم يأتوا بمثله فدل على انه معجز. { ذلك الكتاب } اشارة الى ما تقدم إنزاله، وقيل: ذلك بمعنى هذا. { لا ريب فيه } اي لا شك فيه، قال الشاعر:
نامعلوم صفحہ
ليس في الحق يا أميمة ريب
انما الريب ما يقول الكذوب
{ هدى للمتقين } قيل: جمع التقوى في قوله تعالى:
إن الله يأمر بالعدل والإحسان
[النحل: 90] الآية. وعن ابن عباس: المتقي الذي يتقي الشر والكبائر والفواحش، قال في الثعلبي عن ابن عمر: المتقي ان لا ترى نفسك خيرا من أحد، وقال أيضا: المتقي الذي يقول لكل من رآه من المسلمين هو خير مني، وقال بعض الحكماء: لا يبلغ الرجل سنام التقوى الا اذا كان يحب لو جعل ما في قلبه على طبق فيطاف به في السوق لم يستح من شيء عليه، روي ذلك في الثعلبي ايضا وخص المتقون بالذكر لانتفاعهم، وقيل : المتقي الذي يحب للناس ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه من الشريك لشريكه قال الشاعر:
حل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقى
كن شبه ماش فوق ارض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
{ بالغيب } قيل: هو اللوح، وقيل: هو القرآن وسائر ما اخبر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من البعث وغيره، وقيل: قول لا اله الا الله، وقيل: الآخرة وما فيها، وقيل: خوف الله بالسر والعلانية. { ويقيمون الصلاة } اقامتها تعديل أركانها وحفظها من ان يقع الزيغ في فرائضها وسننها، وقيل: انه ادامتها. { ومما رزقناهم ينفقون } من الزكاة، وقيل: على سبيل البر.
[2.4-13]
نامعلوم صفحہ
{ والذين يؤمنون بما أنزل إليك } يعني يؤمنون بنبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويصدقونه ولا يكذبونه. { وما أنزل من قبلك } من الكتب على لسان كل نبي. { وبالآخرة هم يوقنون } يعرفونها بالأدلة. { أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } والمفلح الفائز بالغنيمة، وقيل: الظافرون بالمراد، وقيل: الفائزون بالجنة الناجون من النار.
{ إن الذين كفروا } الآية، قيل: نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته، وقيل: في اليهود، وقيل: في قوم من المنافقين، وقيل: في مشركي العرب، وقيل في قادة الاحزاب، وقيل: في حيي بن اخطب، وقيل: هو عام في جميع الكفار. { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم } قيل: هو ذم لهم لأنها كالمختوم عليها، وقيل: نكتة سوداء جعلها الله في قلوبهم علامة للملائكة انه لا يفلح، وقيل: هو ذم لهم كما قال الشاعر:
ختم الاله على لسان عذافر
ختما فليس على الكلام بقادر
يعني فلم يختم. { ومن الناس من يقول آمنا بالله } الآية، نزلت في عبد الله بن أبي وأصحابه المنافقين، افتتح سبحانه أول سورة البقرة بالذين اخلصوا دينهم فيه، وثنى بالذين كفروا ظاهرا وباطنا، وثلث بالذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، ووصف حال الذين كفروا في آيتين، وحال الذين نافقوا في ثلاث عشرة آية وبين فيها خبثهم ومكرهم، وفضحهم، واستهزأ بهم، ودعاهم صما بكما عميا وضرب لهم الأمثال الشنيعة ، وقصة المنافقين معطوفة على قصة الذين كفروا كما يعطي دلالة على الجملة. { يخادعون الله } قيل: تقديره يخادعون رسول الله، وقيل: ذكر الله هنا للتعظيم والانكار. { وما يشعرون } اي لا يعلمون انهم يخدعون انفسهم لأن وبال ذلك عليهم والشعور علم مشقق من الشعار. { في قلوبهم مرض } المرض الغل والحسد والميل الى المعاصي والعزم عليها كما قال:
حامل اقواما حياء وقد أرى
قلوبهم تغلي على مراضها
{ وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس } قيل: هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن تبعه. { قالوا } هؤلاء المتقدم ذكرهم عبد الله بن أبي وأصحابه. { أنؤمن كما آمن السفهاء } فرد الله عليهم بقوله: { ألا إنهم هم السفهاء } وقيل: اراد كما آمن الناس عبد الله بن سلام وأصحابه، قال اليهود: أنؤمن كما آمن السفهاء.
[2.14-20]
{ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } الآية، نزلت في عبد الله بن أبي وأصحابه. روي عن ابن عباس ان عبد الله بن ابي وأصحابه خرجوا فاستقبلهم نفر من الصحابة (رضي الله عنهم) فقال: انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم، وأخذ بيد عمر وقال مرحبا بالفاروق وسيد بني عدي، واخذ بيد أبي بكر وقال مرحبا بسيد بني تميم وثاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار، واخذ بيد علي (عليه السلام) وقال: مرحبا بابن عم رسول الله وحبيبه وسيد بني هاشم ما خلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فقال له علي (عليه السلام): " يا عبد الله اتق الله ولا تنافق فإن المنافقين في النار وانهم شر خلق الله ". فقال: مهلا يا ابا الحسن لا تقل هذا فوالله ان إيماننا كإيمانكم، فتفرقوا فقال لأصحابه: كيف رأيتم ما فعلت؟ فأثنوا عليه وقالوا: لا نزال بخير ما دمت فينا، ورجع المسلمون فأخبروا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت الآية. { وإذا خلوا إلى شياطينهم } مضوا معهم، يقال: خلا معه وإليه وبه، قال الاخفش: يقال: خلا به اذا انفرد به، قال الحسن: " الشياطين مردة الجن وابليس أصلهم، وشياطين الانس مردتهم، وآدم أبوهم ". { الله يستهزئ بهم } أي يجازيهم على استهزائهم. { ويمدهم } يعني يمهلهم. { في طغيانهم يعمهون } قيل: يحادون، وقيل: يترددون. { اولئك الذين اشتروا الضلالة } مجاز بالشراء لما مالوا اليها قال الشاعر:
نامعلوم صفحہ
كما اشترى المسلم اذا تبصر
{ مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } الآية: اي هؤلاء المنافقون مثلهم في كونهم من جملة المسلمين في الدنيا وتميزهم عنهم في الآخرة كمثل رجل بقي هو وأصحابه في الطريق في ليلة مظلمة فأوقد نارا لينظر هو واصحابه الطريق. { فلما أضاءت } النار { ما حوله } أطفأ الله تلك النار فعادت الظلمة كما كانت فكذلك اذا مات هؤلاء المتقدم ذكرهم عادوا الى الظلمة، وبقوا في العقاب الدآئم أجارنا الله منه. { صم بكم عمي فهم لا يرجعون } يعني هؤلاء المنافقين، قيل: صم عن استماع الحق، بكم عن التكلم به، عمي عن الابصار له. { أو كصيب } قيل: مثل ثان للمنافقين. { من السماء } قيل: سحاب من السماء ذا مطر، وقيل: كمطر من السماء. { فيه } يعني في الصيب. { ظلمات ورعد } قيل: صوت ملك يزجر السحاب، وقيل: الرعد هو الملك. { وبرق } قيل: محاريق من حديد، وقيل: سوط من نار، رواه أمير المؤمنين علي (عليه السلام). { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت } أي مخافة الموت أن تناله الصاعقة فتهلكه، فيجعل اصبعه في أذنه كيلا يسمع منه شيئا كذلك هذا الجاهل يفر عن سماع القرآن والحق. { يكاد البرق يخطف أبصارهم } أي تكاد الدلائل والآيات تخطف قلوب هؤلاء، المتقدم ذكرهم لما فيها من الازعاج الى النظر، والدعاء الى الحق كما يكاد البرق يخطف أبصار أولئك. { كلما أضاء لهم مشوا فيه } قيل: اذا آمنوا صار الإسلام لهم نورا، واذا ماتوا عادوا الى الظلمة.
[2.21-25]
{ يأيها الناس } قيل: هم أهل مكة، وقيل: هو عام. { اعبدوا ربكم } اي وحدوه وأطيعوه. { لعلكم تتقون } أي لكي تتقوا الله تعالى. { الذي جعل لكم الأرض فراشا } اي بساطا. { والسماء بناء } أي سقفا. { فلا تجعلوا لله أندادا } أي أضدادا. { وأنتم تعلمون } انه الخالق دون الأوثان، وقيل: تعلمون أنه المنعم عليكم دون الأوثان فإنها لا تنفع ولا تضر فكيف تستحق العبادة. { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا } الآية، اعلم ان الله عز وجل تحدى العرب بأن يأتوا بمثله ثم حطهم مرتبة أخرى فقال: { فأتوا بسورة من مثله } وبالاتفاق ان العرب كانوا في النهاية من الفصاحة بحيث لا يكون قبلهم ولا بعدهم أفصح منهم وأقل سورة ثلاث آيات. { وادعوا شهداءكم } يعني واستعينوا بآلهتكم التي تعبدونها. { من دون الله إن كنتم صادقين } بأن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) افتراه، وقيل: أعوانكم، وقيل: ناس يشهدون لكم. { فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا } فنفى عنهم انهم لم يفعلوا كما هو عالم لما فيه من الاعجاز فارجعوا الى عقولكم. { واتقوا الله } بفعل طاعتكم لله ولرسوله. { التي وقودها الناس } اي حطبها. { والحجارة } قيل: هي الاصنام، وقيل: هي الكبريت، وقيل: هي حجارة يعذبون بها، وقيل: هي كنوز الذهب والفضة. { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات } قيل: اخلصوا الأعمال. وعن علي (عليه السلام): " اقامة الصلاة المفروضة " ، وقيل: الطاعة فيما بينهم وبين ربهم، وقيل: العمل الصالح الذي يكون فيه أربعة أشياء: العلم، والنية، والصبر، والاخلاص. { من تحتها الانهار } أي من تحت أشجارها فحذف المضاف، وقيل: من تحت منازلها وهم في الغرفات. { قالوا هذا الذي رزقنا من قبل } قيل: في الجنة من قوله: { بكرة وعشيا } ، وقيل: في الدنيا. { وأتوا به متشابها } قيل: مشبها في الصورة واللون مختلفا في الطعم، وقيل: متشابها في الأسماء، وعن ابن عباس (رضي الله عنه): ليس في الدنيا مما في الجنة الا الأسماء. { ولهم فيها أزواج } قيل: الحور العين، وقيل: نساء الدنيا المؤمنات مطهرات من الحيض والبول والغائط وجميع الأقذار.
[2.26-29]
{ إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة } الآية، قيل: نزلت في اليهود وذلك ان الله تعالى لما ذكر في كتابه الكريم الذباب والعنكبوت ضحكوا وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله تعالى، قال جار الله: والحياء تغير وانكسار يعتري الانسان من خوف ما يعاب به او يذم، واشتقاقه من الحياة، قال: فإن قلت: كيف جاز وصف القديم سبحانه به ولا يجوز عليه التغير والذم؟ قلت: مجاز. وفي حديث:
" ان العبد اذا رفع يده الى الله تعالى يطلب داعيا اليه، استحيى الله ان يرد يده صفرا حتى يهب فيهما خيرا "
وهو مجاز على سبيل المثل، وكذلك معنى قوله: { إن الله لا يستحي } أن يترك ضرب المثل بالبعوضة، او هو جواب للكفرة، وفي خلقه ما هو أصغر منها ف
سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون
[يس: 36] والبعوضة النهاية في الصغر وهي النامس وانشد لبعضهم:
نامعلوم صفحہ
يا من يرى مد البعوض جناحها
في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى عروق نياطها في نحرها
والمخ في تلك العظام النحل
اغفر لعبد تاب من فرطاته
ما كان منه في الزمان الأول
{ الذين ينقضون عهد الله } العهد ما ركبه في عقولهم من الحجة على توحيده واتباع نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ويجوز ان تكون الآية في اليهود. { ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل } قيل: هو عام في كل ما أمر الله ان يوصله. { أولئك هم الخاسرون } الخاسر ضد الرابح، وأصل الخسران النقص، ومنه خسر الصبي سنه اذا قلعها. { كيف تكفرون بالله } استفهام معناه التوبيخ. { وكنتم أمواتا } يعني نطفا. { فأحياكم } في الدنيا. { ثم يميتكم } عند انقضاء آجالكم. { ثم يحييكم } في القبور والنشور، وقيل: يحييكم في القبور. { ثم إليه ترجعون } بالبعث والنشور. { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } يعني لأجلكم وانتفاعكم به في دينكم ودنياكم، فالانتفاع الدنيوي ظاهر بأنواع المشتهيات والمستلذات وما يتبعها، والديني من وجهين: أحدهما النظر في المخلوقات من عجائب الصنع الدالة على الصانع القادر العالم، وثانيهما مما يرى من العقارب والحنشان ونحوها مما يقع بمشاهدته بذكر أهوال الآخرة وما فيها من هذه الأنواع، فكان المنة بهذه أبلغ وأوضح، انه خلق بعضه للانتفاع، وبعضه للاعتبار لا كما يزعم من استدل بها على إباحة كل الحيوانات، لأن الاجماع على خلافه. { ثم استوى الى السماء } اي قصد اليها بإرادته ومشيئته بعد خلق الارض من غير ان يريد خلق شيء آخر ، والمراد بالسماء جهات العلو. { وهو بكل شيء عليم } فمن ثم خلقهن خلقا مستويا محكما من غير تفاوت مع خلق ما في الأرض على حسب حاجات أهلها ومنافعهم ومصالحهم.
[2.30-39]
{ وإذ قال ربك للملائكة } قيل: هو خطاب لجميع الملائكة، وقيل: هو عام لمن كانوا سكان الأرض من الملائكة. { إني جاعل في الأرض } قيل: هي الأرض التي عليها مستقر الخلق، وقيل: هي مكة. { خليفة } اي قوما يخلف بعضهم بعضا اذا مات واحد خلفه الآخر، وقيل: خليفة عليكم، وقيل: خليفة عني يأمر وينهي ويحكم، ويجري الانهار، ويغرس الاشجار. { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } أي من يفسد ذريته لأن آدم (عليه السلام) لم يكن بهذه الصفة، ولا رسل الله وأنبياؤه (عليهم السلام) والمؤمنون، وفي معرفتهم بذلك أقوال: قيل: رأوا ذلك في اللوح المحفوظ، وقيل: قاسوا وكانت الجن على هذه الصفة واول من قاس الملائكة، وقيل: عرفوا ذلك من لفظ الخليفة فان الخليفة من يقوم مقام الاول. { ونحن نسبح بحمدك } قال الحسن: " يقولون سبحان الله وبحمده " ويدل عليه الخبر المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
" انه سئل أي الكلام أفضل؟ فقال: " ما اصطفاه الله تعالى للملائكة سبحان الله وبحمده "
نامعلوم صفحہ
{ ونقدس لك } اي ننزهك فقال الله تعالى: { إني أعلم ما لا تعلمون } اي اعلم من المصالح في ذلك ما هو خفي عليكم. قال جار الله: فإن قلت: فهلا يتولهم تلك المصالح؟ قلت: كفى العباد أن يعلموا أن افعال الله كلها حسنة وحكمة وان خفي عليهم وجه الحسن، والحكمة على انه تعالى قد بين لهم بعض ذلك بما اتبعه بقوله: { وعلم آدم الأسماء كلها } في تسميته بآدم أقوال: أحدها لأنه خلق من أديم الارض، وقيل: من الآدمة في اللون، وقيل: لاجتماعة بحواء، { الأسماء } أي اسماء المسميات، أراد الأجناس التي خلقها الله تعالى وعلمه ان هذا اسم فرس، وهذا اسم بعير، وهذا اسم كذا، وهذا اسم كذا، وقيل: علمه أسماء الملائكة وذريته وكان آدم (عليه السلام) يتكلم بسبع مائة الف لغة أفضلها العربية. { ثم عرضهم على الملائكة } أي المسمين بالاسماء، لأن العرض على الاسماء لا يصح. { فقال أنبئوني } قال جار الله: وانما استنبأهم وقد علم عجزهم عن الانباء على سبيل السكت. { إن كنتم صادقين } يعني في زعمكم اني استخلف في الارض مفسدين سافكين للدماء أراد الرد عليهم وانه اعلم منهم بذلك. { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } السجود لله على سبيل العبادة، ولغيره على وجه التكرمة كما سجدت الملائكة لآدم (عليه السلام) وابوا يوسف واخوته له، وقيل: كان انحناء يدل على التواضع. { إلا إبليس } استثناء متصل وكان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن وكان اسمه عزرايل، وكان من ذوي الأجنحة الأربعة، وقيل: استثناء منقطع فان الله تعالى لما خلق الارض أسكن الجن فيها فعصوا وسفكوا الدماء، وأفسدوا فيها، فبعث الله عليهم جندا من الملائكة فقتلوهم، وأسروا عدو الله ابليس، نعوذ بالله منه، وأقام يعبد الله تعالى معهم تارة في الارض وتارة في السماء، قيل: خمسة آلاف عام، وقيل: ثلاثة آلاف عام، وكان أشد الملائكة عبادة واجتهادا، وهو معنى قوله:
كان من الجن
[الكهف: 50] ومعنى قوله: { وكان من الكافرين }. { اسكن انت وزوجك الجنة } هي حواء خلقت من باقي الطين الذي خلق منه آدم (عليه السلام) وقيل: من ضلع آدم وهي القصيرة، { الجنة } قيل: كانت جنة في السماء غير جنة الخلد، وقيل: كانت جنة في الأرض. { ولا تقربا هذه الشجرة } قيل: هي الحنطة، وقيل: العشب، وقيل: التين، وقيل: النخلة. { وقلنا اهبطوا } خطاب لآدم وحواء وابليس. { فتلقى آدم من ربه كلمات } قيل: تلقن، وقيل: قبل، واختلفوا في هذه الكلمات على أقوال: فالذي ذكره الفقيه احمد بن مفضل رحمه الله ورواه ايضا في الثعلبي وهو ايضا رواية اهل البيت (عليهم السلام): " ان آدم لما خرج من الجنة رأى عن يمين العرش أشباحا خمسة، فقال آدم: يا رب ما هؤلاء؟ قال: صفوة من نوري فأنا الله المحمود وهذا محمد، وأنا المتعالي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا المحسن وهذا الحسن، ولي الاسماء الحسنى وهذا الحسين، قال آدم (عليه السلام): فبحقهم اغفر لي ". وقيل: هو قوله تعالى:
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
[الأعراف: 23] وقيل: ثلاثة أشياء الحياء والدعاء والبكاء. ذكر الثعلبي: أن آدم (عليه السلام) لما هبط الى الارض مكث في الارض ثلاثمائة سنة لا يرفع له رأسا حياء من الله. قال ابن عباس: بكى آدم وحواء على ما فاتهما من نعيم الجنة مائة سنة، ولم يقرب آدم حواء مائة سنة. { فتاب عليه } وتجاوز عنه. { إنه هو التواب الرحيم } يقبل توبة عباده، رحيم بخلقه، وانما جرى على آدم ما جرى تعظيما لخطيئته، ولطفا لذريته في اجتناب الخطايا، وان آدم خرج من الجنة بذنب واحد فكيف يدخلها من له خطايا جمة ولله القائل:
يا ناظرا يريق بعيني راقد
وشاهدا للأمر غير شاهد
تصل الذنوب الى الذنوب وترتجي
درك الجنان بها وفوز الخالد
أنسيت ان الله اخرج آدما
نامعلوم صفحہ
منها الى الدنيا بذنب واحد
[2.40-46]
{ يا بني اسرائيل } اي يا أولاد يعقوب، قال في الثعلبي معنى اسرائيل صفوة الله تعالى، وقيل: معناه عبد الله، وقيل: سمي بذلك لأن يعقوب وعيصا كانا توأمين، فأراد يعقوب ان يخرج فمنعه عيص، وقال: والله لئن خرجت قبلي لأعترضن في بطن امي ولأقتلها، فتأخر يعقوب وخرج عيص قبله ويعقوب بعده، فسمي يعقوب وأولاد يعقوب نسبهم إلى الاب كما قال تعالى:
يا بني آدم
[الأعراف: 26] { اذكروا نعمتي } يعني ما أنعم الله به عليهم في الدنيا والدين، وما يصل إليهم من الرزق حالا بعد حال، وما أنعم عليهم وعلى آبائهم مما عد عليهم من الانجاء من فرعون وعذابه، ومن الغرق، ومن العفو عند اتخاذ العجل والتوبة عليهم وغير ذلك، وما أنعم الله عليهم من ادراك محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) المبشر به في التوراة والانجيل. { وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم } الآية، نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه من أحبار اليهود، وكان لهم مال يأخذونه من عوامهم كل سنة، فخافوا ان صدقوا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يفوتهم ذلك، فكتموا أمره وأظهروا عداوته ، فنزل قوله تعالى: { ولا تشتروا بآياتي } الآية. { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم } الآية، نزلت في اليهود، قيل: بالتمسك بكتابكم، وتتركون التمسك به انتم لانكاركم ما فيه من صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقيل: بالطاعة، وقيل: بالصدقة، وقيل: هو عام في كل من أمر بالشيء ولا يفعله. { واركعوا مع الراكعين } خطاب لليهود لأنه لم يكن في صلاتهم ركوع. { واستعينوا بالصبر والصلاة } يعني الصلاة والصبر، وقيل: اجابة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
[2.47-54]
{ واتقوا يوما لا تجزي نفس } الآية، نزلت في اليهود حيث انهم ادعوا انهم أبناء الله وأحباؤه، وقالوا: سيشفع لنا آباؤنا، فأنكر الله عليهم، وقيل: الآية عامة. { وإذ أنجيناكم من آل فرعون } يعني قومه وأهله وأتباعه وأهل دينه. { يسومونكم } يعذبونكم. { سوء العذاب } أي أشده ونهايته وهو ذبح العيال. { وإذ فرقنا بكم البحر } يعني اذكروا ما أنعم الله به على آبائكم مما عدد عليهم من الانجاء من فرعون وعذابه، ومن الغرق، ومن العقوبة من اتخاذ العجل والتوبة عليهم وغير ذلك، وما أنعم عليهم من إدراك زمن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) المبشر به التوراة والانجيل، وفيه حذف والكلام فيه يطول وذكر الثعلبي ان أصحاب موسى الذين فرق بهم البحر ستمائة ألف مقاتل وعشرون ألف مقاتل، وفرعون وأصحابه يقدمهم هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف، وكان فيهم سبعون ألفا من دهم الخيل والله أعلم، أهلكهم الله تعالى على يد موسى في البحر. { وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة } وذلك أن بني اسرائيل لما أمنوا عدوهم دخلوا مصرا بعد هلاك فرعون وجنوده، ولم يكن لهم كتاب يهتدون به، فوعد الله موسى (عليه السلام) أن ينزل عليهم التوراة فقال موسى لقومه: إني ذاهب لميقات ربي، وآتيكم بكتاب فيه بيان لكم ووعدهم أربعين ليلة: ثلاثين من ذي القعدة وعشرا من ذي الحجة، واستخلف عليهم هرون (عليه السلام) وقوله تعالى: { ثم اتخذتم العجل } وكان العجل من ذهب يخور احتاله السامري، وقيل: هو من قوله:
فقبضت قبضة من أثر الرسول
[طه: 96] { من بعده } اي من بعد مضيه الى الطور. { وأنتم ظالمون } بإشراككم. { ثم عفونا عنكم } حين تبتم من بعد ارتكابكم الامر العظيم، وهي عبادة البقر التي هي أمثلة للعرب: أبلد من ثور. { وإذ آتينا موسى الكتاب } التوراة. { والفرقان } هو النصر الذي فرق بينه وبين عدوه، وقيل: الفرقان القرآن، تقديره: آتينا موسى الكتاب ومحمد الفرقان، وقيل: التوراة والانجيل. { وإذ قال موسى لقومه } عند ان رجع من جبال الطور وذلك ان موسى (عليه السلام) صار بين امرين فأصحابه من بعده عبدوا العجل، وقالوا: لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى، فرجع موسى وتابوا فأوحى الله اليه أن { اقتلوا أنفسكم } وقيل: الذين لم يعبدوا العجل قتلوا الذين عبدوا العجل، وموسى وهارون يقولان يا رب البقية هلك بنو اسرائيل، وكانت القتلى سبعين ألف. { بارئكم } البارئ الخالق الذي خلق الخلق.
[2.55-60]
نامعلوم صفحہ
{ واذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } يعني عيانا، وفي هذا الكلام دليل واضح على ان من اجاز على الله الرؤية فقد جعله من جملة الاجسام والاعراض تعالى الله عن ذلك، القائلون بالرؤية هم السبعون الذين صعقوا لقوله تعالى: { فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون } قيل: اماتهم، وقيل نار من السماء وقعت عليهم فأحرقتهم، فخروا صعقين ميتين يوما وليلة، وموسى (عليه السلام) لم تكن صعقته موتا ولكن غشي عليه، وذلك ان موسى (عليه السلام) لما صعقوا جعل يتضرع ويبكي ويقول: يا رب ماذا أقول لبني اسرائيل اذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم، ويقولوا أفتهلكنا بما فعل السفهاء منا، ولم يزل موسى يتضرع حتى احياهم الله جميعا رجلا بعد رجل، ينظر بعضهم الى بعض كيف يحيون. { وظللنا عليكم الغمام } في التيه تقيكم حر الشمس، وذلك انهم كانوا في التيه، وليس لهم كن من الشمس، فشكوا ذلك الى موسى فأنزل الله تعالى عليهم غماما ابيض، فقالوا لموسى: هذا الظل حصل فأين الطعام فأنزل الله تعالى { المن } قيل هو شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار وطعمه كالشهد وقيل: الخبز الرقاق، وقيل: المن العسل، وقيل: ماء يشربونه، وقيل: شيء يقع على الأشجار بالأسحار، فقالوا: يا موسى هذا المن فأين اللحم؟ فدعا الله موسى فأنزل الله تعالى عليهم { السلوى } قال عكرمة: هو طير اكبر من العصفور. { وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم } يعني ظلموا بأن كفروا هذه النعم. { وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية } قيل: بيت المقدس، وقيل: اريحا، وقيل: الاردن، وقيل: فلسطين. { وادخلوا الباب سجدا } امروا بالسجود عند الانتهاء الى الباب تواضعا لله تعالى، وقيل: بخشوع. { حطة } يعني حط عنا ذنوبنا. وعن ابن عباس قول لا اله الا الله فانها تحط الذنوب. { فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم } قيل: قالوا: مكان حطة حنطة حمراء استهزاء منهم. { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا } قيل: الرجز العذاب، وروي انه مات منهم أربعة وعشرون ألفا في ساعة، وقيل: سبعون، وقيل: سبعون ألفا عطشا. { فقلنا اضرب بعصاك الحجر } الالف واللام في الحجر، قيل: للجنس أي حجر كان، وقيل: للعهد وكان حجرا مربعا، وقيل: مدورا، وقيل: كان مربعا له أربعة وجوه كان ينبع من كل وجه ثلاث أعين لكل سبط عين، وكانوا ستمائة ألف وسبعة، وقيل: اهبط آدم من الجنة واهبط معه الحجر وتوارثوه حتى وصل الى شعيب، فدفعه الى موسى مع العصا، وقيل: هو الحجر الذي وضع عليه ثوبه حين اغتسل اذ رموه بالأدرة. روي ان موسى ذهب يغتسل فوضع ثيابه على حجر فمر الحجر بثوبه، فخرج موسى في أثره يقول: ثوبي ثوبي يا حجر، حتى نظرت بنو اسرائيل الى موسى فقالوا: والله ما بموسى من بأس، قال: فقام بعدما نظروا اليه فأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا وهو من قوله عز وجل:
آذوا موسى
[الأحزاب: 69] الآية والله أعلم بصحة الخبر.
[2.61-66]
{ يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها } البقل المعروف. { وفومها } قيل: الحنطة، وقيل: الثوم، ويدل عليه قراءة ابن مسعود وثومها. { تستبدلون الذي هو أدنى } أدون منزلة، وأدون قدرا. { اهبطوا مصرا } قيل: هي مصر المعروفة، وقيل: انها مصر من أمصار الشام. { وضربت عليهم الذلة والمسكنة } جعلت الذلة محطية بهم، مشتملة عليهم، والمسكنة هي الفقر. { إن الذين آمنوا } بألسنتهم وهم المنافقون. { والذين هادوا } وهم اليهود وسموا بذلك لأنهم يهودون اي يتحركون اذا قرأوا التوراة، وقيل: نسبوا الى يهود بن يعقوب. { والنصارى } قيل: سموا بذلك لأن الحواريين قالوا: نحن أنصار الله، وقيل: نسبوا الى بلدهم قرية يقال لها ناصرة. { والصابئين } وهم قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة. { من آمن بالله } من هؤلاء. { وعمل صالحا } ايمانا خالصا ودخل في ملة الإسلام. { فلهم أجرهم } الآية، { وإذ أخذنا ميثاقكم } بالعمل على ما في التوراة. { ورفعنا فوقكم الطور } وهو الجبل وذلك ان الله تعالى أنزل التوراة على موسى فأمر قومه بالعمل بها فقالوا: يا موسى تكليفها شديد وأبوا، فأمر الله تعالى جبرائيل فقطع جبلا على قدر معسكرهم فرفعه فوق رؤوسهم مقدار قامة. وعن ابن عباس أمر الله جبلا فقطع من أصله حتى قام على رؤوسهم حتى كأنه ظلة فلما رأوا ذلك قبلوا وقالوا: سمعنا وأطعنا ولولا الجبل ما أطعنا، روي ذلك في الثعلبي. { خذوا ما آتيناكم } من الكتاب { بقوة } اي بجد وعزيمة. { ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت } لأن ناسا منهم اعتدوا فيه أي جاوزوا ما حد لهم، وذلك ان الله تعالى ابتلاهم فما كان يبقى حوت في البحر الا أخرج خرطومه يوم السبت، فإذا مضى تفرقت كما قال تعالى:
تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم
[الأعراف: 163] فاتخذوا حياضا عند البحر وكان الحيتان يدخلها يوم السبت فيصطادوها يوم الاحد فذلك اعتداءهم. { فقلنا لهم كونوا قردة } قيل: صاروا قردة لم يأكلوا ولم يشربوا حتى ماتوا، وقيل: عاشوا وصار لهم أولاد ونسل، وقيل: الخاسئون هم الذين لا يتكلمون، وقيل: الخاسئ المتباعد بطرد، قيل: قرية السبت ايلة، وقيل: الطبرية وكانوا سبعين ألفا. { فجعلناها } يعني المسخة. { نكالا } عبرة. { لما بين يديها } لما قبلها. { وما خلفها } وما بعدها من الأمم والقرون، وقيل: عقوبة منكلة لما بين يديها يعني لأجل ما يقدمها من ذنوبهم. { وموعظة للمتقين } الذين نهوهم عن الاعتداء من صالحي قومهم.
[2.67-74]
{ وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } الآية، قال الثعلبي: وذلك أنه وجد قتيل من بني اسرائيل اسمه عاميل ولم يدروا من قتله واختلفوا في سبب قتله، قيل: كان رجلا كثير المال وله ابن عم مسكين لا وارث له غيره فلما طال عليه موته قتله ليرثه، وقيل: كان لعاميل هذا ابنة يضرب بها المثل في بني اسرائيل في الحسن والجمال فقتل ابن عمها أباها لينكحها، وقيل: قتله ابن أخيه لينكح ابنته فلما قتل حملوه من قرية الى قرية أخرى وألقوه هناك، وقيل: بل بين قريتين فسألوا موسى عن ذلك فسأل ربه وأمرهم بذبح بقرة فقال لهم موسى: { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } قالوا: يا موسى أتهزأ بنا سألناك عن القتيل وتأمرنا بذبح بقرة؟! وفي الحديث عنه (صلى الله عليه وآله وسلم):
" لو اعترضوا أدنى بقرة لكفتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم "
نامعلوم صفحہ
والاستقصاء شؤم. قال جار الله: السبب في البقرة ان كان في بني اسرائيل شيخ فقتلوه بنو اخيه ليرثوه فطرحوه على باب مدينة ثم جاؤوا يطالبون بدمه فأمرهم الله تعالى على لسان موسى أن يذبحوا بقرة، قيل: أقاموا يطلبون البقرة أربعين سنة وأراد الله ما أراد من غلاء هذه البقرة عليهم لأن رجلا صالحا خلفها لولده فبارك الله فيها حتى استغنى اليتيم، وقيل: وجدوا البقرة مع رجل كان بارا بوالدته، وقيل: مع رجل كان بارا بوالديه، وقيل: اشتروا البقرة بملء مسكها ذهبا. { لا فارض } الفارض المسنة وسميت فارضا لأنها فرضت أي بلغت. { ولا بكر } البكر: الفتية { عوان } العوان: النصف. { فاقع } هي أشد ما يكون من الصفرة. { لا ذلول } يعني بقرة غير ذلول لم تكن تحرث ولا لشيء. { مسلمة } سلمها الله تعالى من العيوب. { لا شية فيها } اي لا لمعة فيها من لون اخر سوى الصفرة فهي صفراء كلها حتى قرنها وظلفها. { قالوا الآن جئت بالحق } أي بحقيقة وصف البقرة. { فذبحوها } اي فحصلوا البقرة الجامعة لهذه الأوصاف فذبحوها. { وما كادوا يفعلون } قيل لغلاء ثمنها لأن صاحبها قال: لا يبيعها إلا بملء مسكها ذهبا، وقيل: لوزنها ، وقيل: ما كادوا يفعلون لخوف الفضيحة في ظهور القاتل، وقيل: لخشية العار. { وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها } فاختلفتم واختصمتم، وهو ما تقدم ذكره. { اضربوه ببعضها } اي ببعض البقرة، واختلفوا، فقيل: لسانها، وقيل: فخذها اليمنى، وقيل: الاذن، وقيل: غير ذلك. وروي أنهم لما ضربوه قام بإذن الله تعالى وأوداجه، تشخب دما، وقال: قتلني أبناء أخي فلان وفلان ثم سقط ميتا كما كان فقتلوهما به ولم يورث قاتل من ذلك اليوم. { ويريكم آياته } على انه قادر على كل شيء. { ثم قست قلوبكم } استعاد القسوة من بعد ذكر ما يوجب لين القلب ورقته { من بعد ذلك } أشار الى إحياء ذلك القتيل أو الى جميع ما تقدم من الآيات. { فهي كالحجارة } أي فهي في قسوتها مثل الحجارة. { أو أشد قسوة.. وان من الحجارة لما يشقق فيخرج منه الماء } فينبع منه الماء. { وإن منها لما يهبط } يتردى من أعلى الجبل، والخشية في الحجارة مجاز عن انقيادها لأمر الله تعالى.
[2.75-82]
{ أفتطمعون } الخطاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين. { أن يؤمنوا لكم } اي يحدثون الايمان لأجل دعوتكم. { وقد كان فريق منهم } طائفة ممن سلف منهم. { يسمعون كلام الله } يعني ما يتلونه من التوراة ثم يحرفونه كما حرفوا صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وآية الرجم، وقيل: كان قوم من السبعين المختارين سمعوا كلاما حين كلم الله تعالى موسى بالطور وما أمر الله به ونهى ثم قالوا: سمعنا الله تعالى يقول في آخر كلامه: ان استطعتم ان تفعلوا هذه الاشياء فافعلوا وان شئتم فلا تفعلوا ولا بأس عليكم. { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } الآية،
" نزلت في بني قريظة قال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " يا اخوان القردة والخنازير " ، قالوا: من أخبر محمدا بهذا ما خرج إلا منكم "
عن مجاهد، وقيل: كان ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا فكانوا يحدثون المؤمنين بما عذب به أسلافهم، فقال بعضهم لبعض: أتقولون ذلك لهم ليقولوا نحن أكرم على الله منكم، وقيل: ان قوما من اليهود قالوا للشيخين أبا بكر وعمر: انا آمنا لأنا نعلم أنه نبي ونجد صفته في التوراة فلما خلوا الى رؤسائهم قالوا لهم: { قالوا أتحدثونهم بما } قص { الله عليكم } من صفة محمد لتكون الحجة عليكم لهم. { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } والكتاب التوراة، الأماني ما هم عليه من أمانيهم من ان النار لا تمسهم الا اياما معدودة، وقيل: أكاذيب مختلفة. { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } الآية، قيل: نزلت في أحبار اليهود وعلمائهم الذين حرفوا التوراة على العوام وذلك انهم عرفوا زوال رئاستهم فغيروا صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). { وويل لهم مما يكسبون } من الرشا. { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } قيل: أربعين يوما عدد أيام عبادة العجل، وقيل: كانوا يقولون مدة الدنيا عندهم سبعة آلاف سنة وانما نعذب مكان كل سنة يوما. { بلى } أي بلى تمسكم أبدا بدليل قوله تعالى: { هم فيها خالدون }. { من كسب سيئة } من السيئات يعني كبيرة من الكبائر. { وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } وسأل رجل الحسن عن الخطيئة فقال: " سبحان الله ألا أراك ذا لحية وما تدري ما الخطيئة انظر في المصحف فكل آية نهاك الله تعالى عنها واخبرك انه من عمل بها دخل النار فهي الخطيئة المحبطة ".
[2.83-88]
{ وقولوا للناس حسنا } قيل: هو عام في جميع الأفعال، وقيل: في بيان صفة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم } على طريق الالتفات أي توليتم عن الميثاق ورفضتموه. { إلا قليلا منكم } هم الذين أسلموا منهم. وأنتم معرضون وأنتم قوم عادتكم الاعراض عن المواثيق والتولية. { وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم } معناه لا يسفك بعضكم دم بعض، وقيل: اذا قتل غيره فكأنما قتل نفسه لأنه يقتص منه. { ولا تخرجون أنفسكم } لا يفعل ذلك بعضكم ببعض. { ثم أقررتم } بالميثاق واعترفتم على أنفسكم بلزومه. { وأنتم تشهدون } عليها كقوله: فلان مقر على نفسه بكذا. { ثم انتم هؤلاء تقتلون أنفسكم } قيل: ان الله عز وجل أخذ على اليهود عهودا منها ترك القتال، وترك الاخراج وترك المظاهرة، فأعرضوا عن كل ما أمر الله به إلا الفداء وهو قوله تعالى: { أفتؤمنون ببعض الكتاب } اي بالفداء. { وتكفرون ببعض } اي بالقتل والإجلاء وذلك ان بني قريظة كانوا حلفاء الأوس، والنضير حلفاء الخزرج، وكان كل فريق يقاتل مع حلفائه فإذا غلبوا خربوا ديارهم وأخرجوهم واذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه فعيرتهم العرب وقالت: كيف تقاتلونهم: ثم تفدونهم؟! فيقولون: أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم ولكنا نستحيي أن نذل حلفاءنا. { فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا } والخزي هو قتل بني قريظة وأسرهم واجلاء بني النضير، وقيل: الجزية وانما رد من فعل ذلك منهم. { إلى أشد العذاب } لأن عصيانه أشد. { وما الله بغافل عما تعملون } قرئ بالياء والتاء. { أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب } يعني عذاب الدنيا بنقصان الجزية ولا ينصرهم احد بالدفع، وكذلك عذاب الآخرة. { ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل } يعني اتبعنا على اثره الكثير من الرسل يعني رسولا بعد رسول. { وآتينا عيسى ابن مريم البينات } المعجزات الواضحات والحجج كاحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص. { وأيدناه بروح القدس } قيل: يعني روحه وصفها بالطهارة، وقيل: الاسم الأعظم الذي كان يحي به الموتى عن ابن عباس، وقيل: بجبريل، وقيل: بالانجيل. { أفكلما جاءكم رسول } بالحق. { أستكبرتم } عن الإيمان { ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون } { وقالوا قلوبنا غلف } يعني مغطاة عما جاء به محمد (عليه السلام). { فقليلا ما يؤمنون } يعني إيمانا قليلا يؤمنون ويجوز أن يكون القلة بمعنى العدم.
[2.89-95]
{ ولما جاءهم كتاب من عند الله } وهو القرآن. { مصدق لما معهم } من كتابهم. { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } يستنصرون على المشركين، نزلت الآية في بني قريظة والنضير اذا قاتلوهم قالوا: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث آخر الزمان الذي نجد نعته وصفته في التوراة، فلما بعث من العرب ولم يكن منهم كفروا به وجحدوه كما قال تعالى: { فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين } فقال لهم معاذ بن جبل وبشير: يا معاشر اليهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد، ونحن اهل شرك، وتصفونه وتذكرونه أنه مبعوث، فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو الذي كنا نذكره لكم فنزلت الآية عن ابن عباس، وقيل: معناه تستفتحون تفتحون عليهم وتعرفونهم ان نبيا منهم يبعث قد قرب. { بئس ما اشتروا به انفسهم } يعني بئس شيئا اشتروا به انفسهم، والمخصوص بالذم { ان يكفروا } ، واشتروا بمعنى باعوا. { بغيا } حسدا، وطلبا لما ليس لهم. { ان ينزل الله من فضله } الذي هو الوحي. { على من يشاء } وتقتضي حكمته. { فباؤوا بغضب على غضب } فصاروا أحقاء بغضب مترادف لانهم كفروا بنبي الحق وبغوا عليه، وقيل: معنى فباؤوا بغضب على غضب الاول بكفرهم بعيسى ابن مريم والثاني بكفرهم بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتبديل نعته في كتابهم. { واذا قيل لهم آمنوا بما انزل الله قالوا نؤمن بما انزل علينا } ارادوا التوراة. { ويكفرون بما وراءه } وهو القرآن. { وهو الحق مصدقا لما معهم } غير مخالف له. { ولقد جاءكم موسى بالبينات } بالمعجزات. { ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون } وانتم عادتكم الظلم. { ورفعنا فوقكم الطور } وكرر رفع الطور لما نيط به من زيادة ليست مع الأولى مع ما فيه من التوكيد. { خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا } ما امرتم به. { قالوا سمعنا } قولك. { وعصينا } امرك. { وأشربوا في قلوبهم العجل } أي حبه، والحرص على عبادته، وقد تقدم الكلام فيه. { قل بئس ما يأمركم به إيمانكم } بالتوراة لأنه ليس في التوراة عبادة عجل. { قل إن كانت لكم الدار الاخرة عند الله خالصة } الآية نزلت في اليهود لما ادعوا انهم أبناء الله واحباؤه، وقولهم:
لن تمسنا النار إلا أياما معدودة
نامعلوم صفحہ
[البقرة: 80] فقال تعالى: { فتمنوا الموت } لانه من أيقن انه من اهل الجنة اشتاق اليها، وتمنى سرعة الوصول الى دار النعيم، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
" لو تمنوا الموت ما بقي على وجه الأرض يهودي "
{ ولن يتمنوه أبدا بما قدمت ايديهم } بما سلف من موجبات الكفر بمحمد وما جاء به وتحريف كتاب الله وسائر انواع الكفر. { والله عليم بالظالمين } تهديد لهم. { ولن يتمنوه أبدا } من المعجزات لانه اخبار بالغيب وكان كما اخبر به كقوله تعالى:
فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا
[البقرة: 24].
[2.96-102]
{ قل من كان عدوا لجبريل } الآية، قيل:
" ان حبرا من أحبار اليهود يقال له عبد الله بن صوريا من فدك جاء الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يسأله عن أشياء فلما اتجهت الحجة عليه قال اي ملك يأتيك من السماء قال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " جبريل ". قال: ذلك عدونا من الملائكة فلو كان ميكايل مكانه لآمنا بك "
هذا عن ابن عباس، فإن جبريل ينزل علينا بالعذاب والشدة، ويطلع محمد على أسرارنا، وهو صاحب كل خسف، وقيل: نزلت في اليهود وذلك انهم قالوا: ان جبريل عدونا امر ان يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا، وميكايل يجيء بالخصب والسلام، فقال لهم: وما منزلتهما من الله؟ قالوا: أقرب منزلة جبريل عن يمينه، وميكايل عن يساره وميكايل عدو لجبريل فقال لهم عمر: لئن كان كما تقولون لأنتم اكفر من الحمير، من كان عدوا لأحدهما كان عدوا للآخر، ومن كان عدوا لهما كان عدوا لله. { من كان عدوا لله } الآية معنى ذلك
" أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سأله اليهود: من الذي يأتيه؟ فقال لهم: " جبريل " فقالوا له: نحن أعداء جبريل وهو عدونا لأنه لا ينزل عليك الا بالابطال لأمرنا "
نامعلوم صفحہ
، ومعنى { عدو للكافرين } فإنه مهلكهم ومحريهم، ومعنى ميكايل فانهم سألوا: من اين يأخذ جبريل الوحي؟ فقال: من ميكايل فقالوا: وهو ايضا عدونا. { ولقد أنزلنا إليك آيات بينات } الآية، نزلت في اليهود، وقيل نزلت في عبد الله بن صوريا، قيل: قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما كان بينهما من المحاجة وفي حديث جبريل (عليه السلام): ما جئتنا بشيء نعرفه، وما انزل عليك من آية بينة فنتعبك، فنزلت الآية { ولقد أنزلنا إليك } يا محمد. { آيات } معجزات قيل: القرآن، وقيل: علم التوراة والانجيل ، كما قال تعالى:
يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب
[المائدة: 15]. { وما يكفر بها إلا الفاسقون } المتمردون في كفرهم. { وكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم } نزلت في بني قريظة، عاهدوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عهودا منها ان لا يعينوا عليه الكفار ثم نقضوا العهد يوم الخندق، واعانوا قريشا وارادوا ان يلقوا عليه حجرا، فاخبر الله تعالى بذلك، { نبذ فريق } هذا مثل لمن يستخف الشيء والعمل به، والنبذ هو الطرح، وقيل: نبذوا العمل به، ولم يحلوا حلاله، ولا حرموا حرامه. { كأنهم لا يعلمون } انه كتاب الله تعالى. { واتبعوا ما تتلوا الشياطين } أي نبذوا كتاب الله، واتبعوا ما تتلوا الشياطين يعني اتبعوا كتب السحرة التي كانوا يقرؤونها. { على ملك سليمان } أي على عهد ملكه في زمانه، وذلك ان الشياطين كانوا يسترقون السمع ثم يضمون الى ما سمعوا أكاذيب، ويلقونها الى الكهنة، وقد دونوها في كتب يقرؤونها، ويعلمونها الناس، وفشا ذلك في زمن سليمان حتى قالوا: ان الجن تعلم الغيب، وكانوا يقولون: هذا علم سليمان، وما تم لسليمان ملكه الا بهذا العلم، وبه يسحر الانس والجن والرياح { وما كفر سليمان } تكذيب للشياطين.
{ ولكن الشياطين كفروا } باستعمال السحر. { يعلمون الناس السحر } ويقصدون به اغواءهم وإضلالهم. { وما أنزل على الملكين } عطف على السحر، أي يعلمونهم ما انزل الله على الملكين. { ببابل هاروت وماروت } عطف بيان للملكين والذي انزل عليهما هو علم السحر، ابتلاء من الله للناس من تعلمه منهم وعمل به كان كافرا، ومن تجنبه أو تعلمه لا ليعمل به ولكن ليتوقاه وان لا يعتريه كان مؤمنا، قال الشاعر:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه
ومن لم يعرف الشر من الخير يقع فيه
روى ذلك جار الله وقرأ الحسن الملكين بكسر اللام، وهو ايضا قراءة ابن عباس، وقال ابن عباس: وهما رجلان ساحران كانا ببابل لأن الناس لا يعلمون الناس السحر، وقيل: انهما نزلا ليعلمان الناس كيفية السحر وابطاله، لانك لا تعلم بابطال الشيء مهما لم تعلمه في نفسه. { ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم } دليل على انهم استعملوه على خلاف ما أمروا به من تعليمه، وقد روي في سبب نزولهما وجوه: أحدها: ان السحر كثر في زمن ادريس واستنبطت ابوابا غريبة، فأنزل الله تعالى ملكين يعلمان الناس السحر، وقد قيل: ان ما نافية. { ولقد علموا لمن اشتراه } بمعنى علم هؤلاء اليهود لمن اشتراه، أي استبدل ما تتلوا الشياطين على كتاب الله تعالى. { ما له في الآخرة من خلاق } اي من نصيب، وقيل: من وجه عند الله، وقيل: كذا عن دين. { ولبئس ما شروا به أنفسهم } أي باعوها. { لو كانوا يعلمون } اي ثواب الله خير مما هم فيه، ولقد علموا لكنهم لجهلهم لترك العمل بالعلم كأنهم منسلخون عنه.
[2.103-105]
{ ولو انهم آمنوا } برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). { واتقوا } بترك ما هم عليه من نبذ كتاب الله، واتباع كتب الشياطين. { لمثوبة } يعني لكان ثواب الله خيرا لهم. { يأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا } الآية، قيل: كان المسلمون يقولون لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اذا ألقي عليهم شيئا من العلم راعنا يا رسول الله، وكانت بلغة اليهود شيئا معناه اسمع لا سمعت فلما سمعوا بقول المؤمنين فرحوا بذلك وخاطبوا به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم يعنون بذلك تلك السبة فنهى المؤمنين عنها، وامروا بما هو في معناها وهو { انظرنا } أي امهلنا حتى نحفظ { واسمعوا } اي احسنوا سماع ما يكلمكم به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويلقي عليكم بآذان واعية وأذهان حاضرة { أن ينزل عليكم من خير } من الوحي. { والله يختص برحمته } بالنبوة.
[2.106-110]
نامعلوم صفحہ
{ ما ننسخ من آية أو ننسها } روي ان المشركين قالوا: ألا ترون الى محمد يأمر اصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأتي بخلافه من تلقاء نفسه، فنزلت الآية، ونسخ الآية ازالتها بانزال اخرى مكانها، وهو أن يأمر جبريل أن يجعلها منسوخة بالاعلام. { بخير منها } للعباد أي بآية العمل بها اكثر للثواب { أو مثلها } في ذلك، واجماع المسلمين على ان في القرآن ناسخا ومنسوخا ، والكلام فيه يطول. والمعهود انه يأتي على ثلاثة أوجه: احدها: ما نسخ حكمه وبقي لفظه وهو كثير في القرآن، وقد قيل ان آية السيف وهي قوله تعالى:
اقتلوا المشركين
[التوبة: 5] الى آخرها، نسخت كذا آية قيل: مائة وأربعة وعشرين آية. الثاني: ما نسخ لفظه وبقي حكمه، وذلك ما روي عن عمر أنه قال: الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة نكالا من الله والله تعالى عزيز حكيم. روي ايضا: انه كان في القرآن لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا، ولا على خوف ابن آدم الا التراب ويتوب الله على من تاب. والثالث: ما نسخ لفظه وحكمه والله اعلم. والنسخ برفعك لشيء قد كان يلزم العمل به من قول العرب: نسخت الشمس الظل، أي أزالته وقرأ ابن كثير وابو عمرو أو ننساؤها بالفتح والهمزة، ومعنى ننسها نذهبها من قلبك من النسيان، ومن همزها فمعناه نؤخرها ولا ننسخها، وقيل: ما ننسخ من آية من اللوح المحفوظ للانزال عليك، أو نؤخر انزالها، { نأت بخير منها } ذكره في الغرائب. { له ملك السموات والارض } فهو يملك امرهم. { أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى } الآية: نزلت في عبد الله بن أمية المخزومي، وفي رهط من قريش قالوا: يا محمد اجعل لنا الصفا ذهبا، ووسع لنا ارض مكة، وفجر الانهار تفجيرا نؤمن لك، فنزلت الآية { كما سئل موسى } سأله قومه فقالوا:
أرنا الله جهرة
[النساء: 153] وقيل: انهم يا محمد آتينا بكتاب من السماء جملة واحدة، كما نزلت التوراة نؤمن بك. { ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم } الآية: نزلت في حيي بن أخطب واخيه ياسر دخلا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قدم المدينة، فلما خرجا من عنده قال حيي لأخيه أهو نبي؟ قال: هو نبي، قال: فما له عندك؟ قال: العداوة الى الموت، وهو الذي أثار الحرب يوم الأحزاب عن ابن عباس، وقيل
" في قوم من اليهود قالوا لعمار وحذيفة بعد يوم أحد: لو كان دين محمد حقا ما اصابه هذا فارجعا الى ديننا، فقال عمار: رضيت بالله ربا وبمحمد نبيا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن اماما، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين اخوانا، وقيل: هو حذيفة الذي قال ذلك، ثم آتيا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخبراه بذلك، فقال: أصبتما الخير "
، فنزلت الآية. { حتى يأتي الله بأمره } الذي هو قتل بني قريظة، واجلاء بني النضير واذلالهم بضرب الجزية عليهم.
[2.111-116]
{ وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا او نصارى } لأن اليهود قالوا: لن يدخل الجنة الا من كان على دين اليهودية، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة الا من كان على دين النصرانية { تلك أمانيهم } قيل: أباطيلهم، وقيل: شهواتهم التي اشتهوها وتمنوها على الله تعالى { قل هاتوا برهانكم } اي حجتكم على ذلك، ثم قال ردا عليهم وتكذيبا لهم: { بلى } اي ليس الامر كما قالوا: { من أسلم وجهه لله } قيل: نفسه بأن سلك طريق مرضاته، وقيل: وجهه لطاعته، وقيل: اخلص امره الى الله وهو محسن في عمله فله اجره الذي يستوجبه. { وقالت اليهود ليست النصارى على شيء } الآية وقوله: { وهم يتلون الكتاب } الواو للحال، والكتاب للجنس، أي قالوا ذلك وحالهم انهم من اهل العلم والتلاوة للكتب، وحق من حمل التوراة أو غيرها من كتب الله تعالى ان لا يكفر بالثاني لان كل واحد من الكتابين مصدق للثاني وشاهد بصحته، وكذلك كتب الله تعالى جميعا متواردة في تصديق بعضها بعضا. { كذلك قال الذين } أي مثل ذلك الذي سمعت به عن ذلك المنهاج قال الجهلة الذين { لا يعلمون } ولا كتاب لهم كعبدة الأوثان، روي ان وفد نجران لما قدموا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتاهم أحبار اليهود فناظروا حتى ارتفعت أصواتهم فقالت اليهود: ما انتم على شيء من الدين وكفروا بعيسى والانجيل، وقالت النصارى لهم نحوه: وكفروا بموسى والتوراة. { فالله يحكم بينهم } اي بين اليهود والنصارى { يوم القيامة } بالقسم لكل فريق منهم من العذاب الذي يستحقه، وعن الحسن: حكم الله بينهم ان يكذبهم ويدخلهم النار. { ومن أظلم ممن منع مساجد الله } الآية نزلت في بخت نصر وأصحابه غزوا اليهود، وخربوا بيت المقدس، وأعانهم على ذلك النصارى، وقيل: هم قريش منعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واصحابه البيت، واخرجوهم من مكة. { وسعى في خرابها } بانقطاع الذكر وتخريب البنيان وينبغي ان يراد ممن منع العموم كما أراد بمساجد الله، ولا يراد بأعيانهم من اولئك النصارى او المشركين. { أولئك } المانعون { ما كان لهم أن يدخلوها } اي ما كان ينبغي لهم ان يدخلوا مساجد الله { إلا خائفين } والمعنى ما كان الحق والواجب الا ذلك لولا ظلم الكفرة وغيرهم، وقيل: ما كان لهم في حكم الله تعالى يعني ان الله تعالى قد حكم وكتب في اللوح انه ينصر المؤمنين، ويقويهم حتى لا يدخلوها الا خائفين، وروي ان بيت المقدس لا يدخله أحد من النصارى الا متنكرا مسارقة، وقال قتادة: لا يوجد نصراني في بيت المقدس الا أبلغ اليه في العقوبة ضربا، وقيل: نادى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
" ألا لا يحجن بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان "
نامعلوم صفحہ
قوله تعالى: { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } اي فثم القبلة التي أمر الله بالتوجه اليها فعبر عن القبلة بلفظ الوجه، وقيل: هناك الله فادعوا كيف شئتم، وقيل: هناك رضوان الله، وسبب نزول الآية ان جماعة من اصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اصابهم ظلمه في بعض أسفارهم فصلوا فلما اصبحوا نظروا فاذا هم صلوا الى غير قبلة، وقيل: نزلت ردا على المشبهة فيما ذهبوا اليه في اعتقادهم ان الله تعالى في جهة دون جهة. { وقالوا اتخذ الله ولدا } الآية نزلت في اليهود حيث قالوا: عزير ابن الله، وفي نصارى نجران حيث قالوا عيسى ابن الله تعالى.
[2.117-123]
{ وقال الذين لا يعلمون } قيل: هم اهل الكتاب وانما نفى العلم عنهم لأنهم لم يعملوا به، وقيل: هم المشركون. { لولا يكلمنا الله } اي هلا يكلمنا الله بانك رسول الله مثل ما كلم موسى والملائكة استكبارا منهم وعتوا { كذلك قال الذين من قبلهم } أي كفار الامم الماضية. { مثل قولهم تشابهت قلوبهم } اي اشبه بعضها بعضا في الكفر والفسق. { قد بينا الآيات لقوم يوقنون } ينصفون، ويقرون أنها آيات يجب الاعتراف بها، والاذعان لها، والاكتفاء بها عن غيرها. { إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل } الآية روي انه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
" ليت شعري ما فعل أبواي "
، فنهي عن السؤال عن احوال الكفرة والاهتمام بأعداء الله تعالى، وقيل: معناه تعظيم ما وقع فيه الكفار من العذاب، وقيل: { لا تسأل عن أصحاب الجحيم } ما لهم لا يؤمنون بعد أن ابلغت جهدك في دعوتهم، فانك كذا عليك البلاغ وعلينا الحساب. { قل إن هدى الله هو الهدى } يعني ان هدى الله الذي هو الإسلام هو الهدى بالحق والذي يصح ان يسمى هدى الهدى كله ليس وراءه هدى، وما يدعون الى اتباعه ما هو بهدى انما هو هو. { ولئن اتبعت اهواءهم } اي أقوالهم التي هي أهواء وبدع. { بعد الذي جاءك من العلم } أي من الدين المعلوم. { الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته } قيل: نزلت في اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آمنوا بالقرآن وصدقوا به، وقيل: فيمن آمن من اهل الكتاب كعبد الله بن سلام وغيره، وقيل: في اهل السفينة الذين قدموا مع جعفر بن ابي طالب من الحبشة وكانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من رهبان الشام. { حق تلاوته } أي يحلون حلاله ويحرمون حرامه ولا يحرفونه. { ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون } الخاسر ضد الرابح.
[2.124-132]
{ وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } قيل: خمس في الرأس وخمس في الجسد، فالتي في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس، والتي في الجسد تقليم الأظفار ونتف الابطين وحلق العانة والختان والاستنجاء، وقيل: عشر في براءة
التائبون العابدون
[التوبة: 112] الى آخر الآية، وعشر في
قد أفلح المؤمنون
نامعلوم صفحہ
[المؤمنون: 1] من أول السورة، وعشر في الأحزاب
إن المسلمين والمسلمات
[الأحزاب: 35] الآية، وقيل: ابتلاه الله بذبح ابنه فصبر على ذلك وابتلاه في ماله بان يجعله للضيفان، وقيل: مناسك الحج، وقيل: هي سبعة أشياء ابتلاه بالكوكب والقمر والشمس فأحسن في ذلك وعلم ان ربه دائم لا يزول وابتلاه بالنار فصبر على ذلك، وابتلاه بالهجرة فصبر، وفي ذبح ابنه فصبر على ذلك، وبالختان فصبر على ذلك. { فأتمهن } اي عمل بهن، وقيل: قام بهن، قال: { إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي } عطف على الكاف كأنه قال: وجاء على بعض ذريتي. { قال لا ينال عهدي الظالمين } وقرئ الظالمون أي من كان ظالما من ذريتك لا يناله استخلاف عهدي اليه بالإمامة، وكيف يصلح لها من لا يجوز حكمه ولا شهادته ولا يجب طاعته ولا يقبل خبره ولا يقدم للصلاة فلا يكون الظالم اماما قط؟! وكيف يجوز نصبه للإمامة والإمام انما هو لكف المظالم. { جعلنا البيت مثابة } يثوبون اليه أي يأتونه. { وأمنا } موضع أمان لقوله حرما امنا { واتخذوا } قرئ واتخذوا بكسر الخاء مقام ابراهيم الحجر الذي فيه اثر قدمه وعن عطاء مقام ابراهيم عرفة والمزدلفة والجمار لانه قام في هذه المواضع ودعا فيها، وقيل: الحرم كله مقام ابراهيم. { وعهدنا } أي امرناهما والزمناهما ان { طهرا بيتي } قيل: من الاصنام، وقيل: من الأنجاس، وقيل: من الفرث والدم، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
" أوحى الله الي يا اخا المرسلين، يا اخا المنذرين، أنذر قومك الا يدخلوا بيتا من بيوتي ولأحد عليهم مظلمة فان اللعنة لا تزال عليهم حتى ترد تلك المظلمة "
روى هذا الخبر في الثعلبي. { للطائفين } هم اليراع اليه من آفاق الارض { والعاكفين } هم المقيمون { والركع السجود } هم المصلون. { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت } القواعد جمع قاعدة وهي الاساس ومعنى رفع القواعد هو رفعها بالبناء فبنى { وإسمعيل } يناوله. وروي انه كان مؤسسا قبل إبراهيم فبنى على البناء، وروي ان الله تعالى انزل البيت ياقوتة من يواقيت الجنة له بابان من زمرد شرقي وغربي، وقال: يا آدم اهبطت لك ما يطاف به كلما يطاف حول عرشي، فتوجه آدم من أرض الهند ماشيا وتلقته الملائكة، فقالوا: بر حجك يا آدم وحج اربعين سنة من أرض الهند الى مكة على رجليه وكان ذلك الى ان رفعه الله أيام الطوفان الى السماء الرابعة وهو البيت المعمور، ثم ان الله تعالى أمر ابراهيم ببنائه وعرفه جبريل مكانه.
{ وأرنا مناسكنا } أي وبصرنا متعبداتنا في الحج، وقيل: الذبائح. { ربنا وابعث فيهم } في الأمة المسلمة. { رسولا } الآية، روي انه قيل له: قد استجيب لك وهو نبي في آخر الزمان فبعث الله فيهم محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):
" انا دعوة ابي ابراهيم وبشرى عيسى ابن مريم "
{ يتلو عليهم آياتك } يقرأ عليهم ويبلغهم ما يوحى اليه { ويعلمهم الكتاب } القرآن { والحكمة } الشريعة { ويزكيهم } يطهرهم من الشرك وسائر الارجاس. { ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه } قيل: ان عبد الله بن سلام دعا ابني اخيه سلمة ومهاجر الى الإسلام وقال: لقد علمتم ان صفته في التوراة فأسلم سلمة وأبى مهاجر فنزلت الآية { ولقد اصطفيناه في الدنيا } اي اخترناه. { وإنه في الآخرة لمن الصالحين } الفائزين، وقيل: الانبياء. { وأوصى بها إبراهيم بنيه } قيل: بالملة، وقيل: بالإسلام. { ويعقوب } معطوف: على ابراهيم. { يا بني إن الله اصطفى لكم الدين } اعطاكم الدين الذي هو صفوة الأديان، وهو دين الإسلام { فلا تموتن } يعني فلا يكون موتكم الا على كونكم ثابتين على الإسلام.
[2.133-141]
{ أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت } روي ان اليهود قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ان يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية فنزلت الآية { تلك أمة } اشارة الى الأم المذكورة التي هي ابراهيم ويعقوب وبنوهما الموجودون والمعنى ان احدا لا ينفعه كسب غيره متقدما كان أو متأخرا فكما أن أولئك لا ينفعهم الا ما كسبوا كذلك انتم لا ينفعكم الا ما كسبتم. { ولكم ما كسبتم } وذلك انهم افتخروا باوائلهم، ونحوه قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
نامعلوم صفحہ
" يا بني هاشم لا يأتوني الناس باعمالهم وتأتوني بأنسابكم "
{ ولا تسألون عما كانوا يعملون } ولا تؤاخذون بسيئاتهم كما لا ينفعكم حسناتهم. { قل بل ملة إبراهيم حنيفا } والحنيف المائل عن كل دين باطل الا دين الحق { وما كان من المشركين } تعريض بأهل الكتاب وغيرهم. { قولوا آمنا بالله } الآية، خطاب للمؤمنين ويجوز ان يكون خطابا للكافرين والأسباط السبط الحافد وكان الحسن والحسين (عليهما السلام) سبطي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والاسباط حفدة يعقوب ابناؤه الاثني عشر { لا نفرق بين أحد منهم } أي لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى { فان آمنوا بمثل ما آمنتم به } أي ان آمنوا بالله والنبي والقرآن { فقد اهتدوا وإن تولوا } عما يقولون لهم ولم ينصفوا فما هم الا { في شقاق } اي معاندة لا غير وليسوا من طلب الحق في شيء، أو فإن تولوا عن الشهادة والدخول في الايمان { فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم } ضمان من الله لاظهار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد انجز له ما وعده بقتل بني قريظة وسبيهم واجلاء بني النضير بوعده { صبغة الله } الاصل فيه ان النصارى كانوا يغمسون اولادهم في ماء يسمونه العمودية ويقولون: هو تطهير لهم فاذا فعل الواحد منهم ذلك قال: الآن صار نصرانيا حقا، وصبغة الله هي الايمان { ومن أحسن من الله صبغة } يعني أنه يصبغ عباده بالايمان ويطهرهم { ونحن له مخلصون } قيل: ان يخلص العبد عمله ودينه ولا يرائي، ولا يشرك به في دينه ولا يرائي بعمله، وقيل: ان يستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن، وفي الحديث:
" لكل حق حقيقة وما بلغ احد حقيقة الإخلاص حتى لا يحب ان يحمد على شيء مما عمله لله تعالى "
، وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال:
" سألت جبريل عن الإخلاص ما هو؟ قال: سر من أسراري أستودعه قلب من احب من عبادي "
{ ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله } يعني التي شهد بها لإبراهيم في قوله:
ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين
[آل عمران: 67] وقيل: ما احد أظلم من اليهود حيث كتموا شهادة الله تعالى لمحمد (عليه السلام) بالنبوة في كتبهم فكتموها .
[2.142-143]
{ سيقول السفهاء من الناس } قال جار الله: السفهاء هم اليهود لكراهتهم التوجه الى الكعبة، وقوله: { ما ولاهم } أي ما صرفهم { عن قبلتهم } وهي بيت المقدس.
نامعلوم صفحہ
النزول: روي انها لما حولت القبلة الى الكعبة عاب الكفار المسلمين على ذلك فنزلت الآية واعلم ان اول ما نسخ من امور الشريعة امر القبلة وذلك ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واصحابه كانوا يصلون بمكة الى القبلة، وقيل: الى بيت المقدس فلما هاجر الى المدينة أمر بالصلاة الى بيت المقدس ليكون أقرب الى تصديق اليهود لأنهم يجدون نعته عندهم كذلك فصلى الى بيت المقدس سبعة عشر شهرا، وقيل: ثمانية عشر شهرا، وقيل: ستة عشر شهرا ونزل عليه جبريل (عليه السلام) فأمره بالصلاة الى الكعبة فقال اهل مكة: يا محمد رغبت عن ملة ابائك ثم رجعت اليها فليرجعون الى دينهم، فلما حولت القبلة الى الكعبة، قالت اليهود: يا محمد ما امرت بهذا او ما هو الا شيء منك تارة تصلي الى بيت المقدس وتارة تصلي الى الكعبة { لتكونوا شهداء على الناس } روي ان الامم يوم القيامة يجحدون تبليغ الانبياء اليهم فيطالب تعالى الانبياء بالبينة على انهم قد ابلغوا وهو اعلم فيؤتى بأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فيشهدون فتقول الامم: من اين عرفتم ذلك؟ فيقولون: علمنا ذلك باخبار الله في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق فيؤتى بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فيسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بعدالتهم وذلك قوله تعالى:
فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا
[النساء: 41] { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها } قيل: بيت المقدس الذي كانوا يصلون اليه، وقيل: مكة والكعبة، والمراد التي انت عليها ويحتمل ذلك بمعنى صرت عليها يعني الكعبة { إلا لنعلم من يتبع الرسول } قيل: لنعلم حزبنا من النبي والمؤمنين، وقيل: معناه لنجعل العلم موجودا { ممن ينقلب على عقبيه } قيل: ان قوما ارتدوا عن الإسلام لما حولت القبلة ومعنى على عقبيه انه يكفر بالله ورسوله، وقيل: المراد به كل مقيم على الكفر { وإن كانت لكبيرة } الضمير يعود الى القبلة، قيل: كانت التولية، وقيل: كانت القبلة، وقيل: الصلاة اليها الثقيلة إلا على الذين { هدى الله } مثل علي (عليه السلام) وأتباعه، قال جار الله: الا على الثابتين الصادقين في اتباع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لطف الله بهم وما كان الله ليضيع ايمانكم في ثباتكم على الايمان، وقيل: من صلى الى بيت المقدس قبل التحول فصلاته غير ضائعة.
[2.144-150]
{ وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } يعني اينما كنتم من مشارق الارض ومغاربها فولوا وجوهكم شطره يعني جهته، وقيل: بعضه { وإن الذين أوتوا الكتاب ليلعمون أنه الحق من ربهم } يعني اليهود اهل التوراة والانجيل انه الحق، قيل: التوجه الى الكعبة حق لانها قبلة ابراهيم (عليه السلام)، وقيل: النبي حق ودينه حق لأنه مذكور في كتبهم، روي ان يهود المدينة ونصارى نجران قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ائتنا بآية كما اتى الانبياء قبلك، فأنزل الله تعالى: { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية } يعني بكل برهان { ما تبعوا قبلتك } لان تركهم اتباعك ليس عن شبهة انما هو عن مكابرة وعناد { وما أنت بتابع قبلتهم } حسم لأطماعهم لأنهم كانوا يقولون لو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو ان يكون صاحبنا { وما بعضهم بتابع قبلة بعض } يعني أنهم مع اتفاقهم على مخالفتك مختلفون وذلك ان اليهود تستقبل بيت المقدس والنصارى مطلع الشمس { ولئن اتبعت أهواءهم } يا محمد في المداراة حرصا على ان يؤمنوا { إنك إذا لمن الظالمين } لنفسك اي قد علمت انهم لا يؤمنون، وقيل: الخطاب للنبي والمراد كل من كان بتلك { الذين آتيناهم الكتاب } الآية نزلت في عبد الله بن سلام، قال له عمر: كيف تعرف نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: يا عمر لقد عرفته فيكم حين رأيته كما أعرف ابني اذا رأيته مع الصبيان يلعب وانه لنبي حق { فاستبقوا الخيرات } يعني امر القبلة وغيرها من الطاعات { ومن حيث خرجت } اي ومن اي بلد خرجت للسفر { فول وجهك شطر المسجد الحرام } اذا صليت وهذا التكرار لتأكيد امر القبلة وتشديده، وقيل: الاولى في مسجد المدينة، والثانية خارج المسجد، والثالثة خارج البلد { إلا الذين ظلموا منهم } وهم اهل مكة حين قالوا: بدا له فرجع الى قبلة آبائه وهو اهله رجع الى دينهم، وقيل: هم اليهود قالوا لما انحرف الى الكعبة قالوا: ما هو يعمل الا برأيه وهم يعلمون انه حق { فلا تخشوهم } فلا تخافوا مطاوعتهم في ملتهم فانهم لا يضروكم مطامعهم { واخشوني } فلا تخالفوا أمري { ولأتم نعمتي عليكم } في الآخرة بالثواب كما أتممتها عليكم في الدنيا بارسال الرسل، وفي الحديث:
" تمام النعمة دخول الجنة "
وعن علي (عليه السلام): " تمام النعمة الموت على الإسلام ".
[2.151-158]
{ كما أرسلنا } اما ان يتعلق بما قبله اي ولأتم نعمتي عليكم في الدنيا بارسال الرسل وبما بعده اي كما ذكرتكم بارسال الرسل { ويعلمكم الكتاب } القرآن { والحكمة } الشرائع والاحكام { فاذكروني } بالطاعة { اذكركم } بالثواب، وقيل: اذكروني بطاعتي اذكركم بمغفرتي، وقيل: اذكروني بالشكر اذكركم بالزيادة، وقيل: اذكروني في النعمة والرخاء اذكركم في الشدة والبلاء { يأيها الذين آمنوا استعينوا } اطلبوا المعونة { بالصبر والصلاة } وانما خصهما لما فيهما من المعونة والصبر وحبس النفس عما تدعو اليه وكذلك الصبر على مشاق الطاعات { إن الله مع الصابرين } يعني بالمعونة والنصر، وقيل: بالتوفيق بالتسديد { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله } قيل: الآية نزلت في شهداء بدر وكانوا اربعة عشر رجلا وكانوا يقولون مات فلان وانقطع عنه نعيم الدنيا، قيل: هم احياء في قبورهم، وقيل: احياء في الجنة، وقيل: احياء في السماء عند سدرة المنتهى { ولنبلونكم } اي لنختبرنكم ومعناه نعاملكم معاملة المختبر ليظهر المعلوم منكم بشيء قليل من كل واحد من هذه البلايا { من الخوف } خوف العدو { ونقص من الأموال } هلاك المواشي ونقصان الاموال { والأنفس } قيل: بالموت، وقيل: بالقتل، وقيل: بالامراض، وقيل: بالشيب، وقال الشافعي (رحمه الله): الخوف خوف الله والجوع صوم رمضان ونقصان الاموال الزكاة { وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون } المسترجعين عند البلاء،
" وروي انه طفئ سراج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: " انا لله وانا اليه راجعون " فقيل: أمصيبة هي؟ قال: " نعم كل شيء يؤذي المؤمن فهو مصيبة "
نامعلوم صفحہ
{ أولئك عليهم صلوات من ربهم } يعني ثناء ومدح وتعظيم { ورحمة } يعني عليهم رأفة بعد رحمة أو رحمة بعد رحمة { وأولئك هم المهتدون } قيل: بهذه الطريقة، وقيل: الى الجنة والثواب { إن الصفا والمروة } روي عن ابن عباس انه كان على الصفا والمروة صنمان وكان اهل الجاهلية يطوفون بينهما فكره المسلمون الطواف بينهما، وقيل: كانت اصناما يعبدونها منصوبة فكره المسلمون الطواف بينهما فنزلت الآية { من شعائر الله } قيل: المناسك، وقيل: من دين الله.
[2.159-169]
{ إن الذين يكتمون } الآية، وقيل: نزلت في اليهود والنصارى، وقيل: هو عام في كل من كتم { ويلعنهم اللاعنون } قيل: الملائكة والمؤمنون، وقيل: دواب الأرض { وإلهكم إله واحد } قيل: قال المشركون: كيف يسع الناس اله واحد فأنزل الله تعالى: { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار } واعتقابهما لأن كل واحد منهما يعقب الآخر، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم):
" ويل لمن قرأ هذه الآية فمح بها ولم يتفكر فيها ولم يعتبر بها "
وقيل: اختلافهما في الجنس واللون والطول والقصر، ويقال: لم قدم الليل؟ قلنا: لأن الليل هو الأصل والضياء طارئ عليه لأنه تعالى خلق الارض مظلمة ثم خلق الشمس والقمر، وروي ان المشركين قالوا: أرنا يا محمد آية فنزلت هذه الآية وهي قوله تعالى: { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار } الى قوله: { لآيات لقوم يعقلون } وقيل: لما نزل قوله تعالى: { والهكم اله واحد } قال المشركون: كيف يسع الناس اله واحد فأنزل الله تعالى: { ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر } يعني السفن التي تجري في البحر { بما ينفع الناس } بركوبها والحمل عليها في التجارات والمكاسب { وما انزل الله من السماء من ماء } يعني المطر واختلفوا في الماء المنزل فقيل: انه ينزل من السماء على الحقيقة ولا مانع من ذلك وهو الظاهر، وقيل: انه ينزل من السحاب ، وقال بعضهم: انه تعالى بقدرته يحيل السحاب مياه البحر مع ملوحته ثم ينزل من السحاب بقدر الحاجة عذبا فراتا { فأحيى به الارض بعد موتها } يعني أحيى الارض بالنبات { وتصريف الرياح } تقلبها شمالا وجنوبا وقبولا ودبورا، وقيل: مجيئها مرة بالرحمة ومرة بالعذاب { والسحاب المسخر } أي المذلل يصرفها { بين السماء والارض } كيف يشاء، ان في ذلك { لآيات } يعني لحجج ودلالات { لقوم يعقلون } ينظرون بعيون عقولهم ويعتبرون لانها دلائل على عظيم القدرة وباهر الحكمة { ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا } قيل: أشباها، وقيل: أضدادا { يحبونهم كحب الله } يعني يحبون اصنامهم كحب المؤمنين لله تعالى { ولو يرى الذين ظلموا } قيل: خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمراد غيره يعني ولو ترى هذا الظالم عند رؤية العذاب كيف يتجادلون لعجبت، وقيل: لو تراهم حين يتبرأ بعضهم من بعض { اذ تبرأ الذين اتبعوا } الآية، قيل: القادة والرؤساء من المشركين، وقيل: هم الشياطين الذين اتبعوا بالوسوسة من الجن، وقيل: شياطين الانس والجن، وقيل: من كان يدعونه شريكا وإلها { بهم الاسباب } قيل: الوصلات التي كانت بينهم { وقال الذين اتبعوا } يعني الاتباع للقادة { لو ان لنا كرة } أي عودة ورجعة إلى الدنيا { يأيها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا } الآية، خطاب لجميع المكلفين من بني آدم، وقيل: الطيب الحلال، وقيل: المستلذ واعلم وفق الله الجميع لما يرضيه أن الله تعالى لما اذن في الحلال كان ذلك منعا من الحرام { خطوات الشيطان } قيل: اعماله، وقيل: خطاياه، وقيل: طاعتكم له { انه لكم عدو مبين } اي ظاهر العداوة.
[2.170-173]
{ واذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله } قيل: نزلت في كفار قريش، وقيل: في اليهود قالوا: ان اباءنا كانوا اعلم منا { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق } الآية روي انها نزلت في اليهود، وقيل: هو عام يعني انهم دعوا الى الاسلام فلم يجيبوا وركنوا الى التقليد ضرب لهم مثلا قال تعالى: { ومثل الذين كفروا } صفتهم { كمثل الذي ينعق } بصوت { بما لا يسمع } من البهائم، قيل: { مثل الذين كفروا } في دعائك اياهم كمثل الناعق في دعائه البهائم التي لا تفهم كالابل والبقر والغنم، وقيل: مثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم من الاوثان كمثل الناعق في دعائه ما لا يسمع، وقيل: مثل الذين كفروا في قلة فهمهم وعقلهم كمثل الراعي يكلم البهائم وهي لا تعقل، وقيل: مثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم كمثل الناعق في دعائه الصدى في الجبل وغيره كذلك يخيل الى هؤلاء المشركين ان دعاءهم للاصنام مستجاب { يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } من مستلذاته لان كل ما رزقه الله لا يكون الا حلالا، وقيل: الطيب الحلال { واشكروا لله } الذي رزقكم اياه { ان كنتم اياه تعبدون } يعني ان كنتم عارفين به وبنعمته يعني لان التمسك بعبادته وحده هو الذي عرفه، وقيل: ان كنتم مخلصين له في العبادة فان قيل: أيجب الشكر بهذا الشرط على المؤمنين أم يجب على الكافرين والفاسقين؟ قلنا: يجب على الجميع { انما حرم عليكم الميتة } وهي ما يموت من الحيوان { والدم } قيل: الدم المسفوح، وقيل: كل دم واختلفوا في دم السمك { ولحم الخنزير } وهو حيوان معروف { وما أهل به لغير الله } قيل: ما ذبح لغير الله، قال جار الله: في معنى ما اهل به اي رفع به الصوت للصنم وذلك قول الجاهلية بسم اللات والعزى { فمن اضطر } قيل: ضرورة مجاعة عند الأكثر، وقيل: اكره { غير باغ ولا عاد } بل غير باغ للذة اي طالب لها { ولا عاد } متجاوز سد الجوعة، وقيل: غير باغ على امام المسلمين من البغي ولا عاد بالمعصية.
[2.174-177]
{ ان الذين يكتمون ما انزل الله من الكتاب ويشترون به } الآية، نزلت في رؤساء اليهود كعب ابن الأشرق وحيي بن اخطب وغيرهم وكانوا يصيبون الهدايا من عوامهم ويرجون كون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم فلما بعث من غيرهم خافوا زوال ما كانوا عليه فغيروا صفته وكتموا ما في التوراة فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية، وروي عن ابن عباس: ان الملوك كانوا يسألون اليهود عن صفة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) فيحدثوهم فلما بعث سألوهم فأنكروا طمعا في مالهم وأعطاهم الملوك الأموال فنزلت الآية { اولئك } يعني الذين كتموا ذلك { ما يأكلون في بطونهم الا النار } يعني ان أكلهم في الدنيا وان كان حسنا طيبا في الحال فعاقبته النار كقوله تعالى:
ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا
نامعلوم صفحہ
[النساء: 10] ولا يكلمهم الله اي لا يكلمهم بما يحبون ويسرهم، وقيل: هو كناية عن غضبه عليهم ثم السؤال يقع من الملائكة بأمره تعالى { ولا يزكيهم } اي لا ينسبهم الى التزكية ولا يثني عليهم { فما اصبرهم على النار } قيل: في الآخرة، وقيل: في الدنيا ما أجرأهم على النار أي على العمل المؤدي اليها، وقيل: ما أعملهم بأعمال أهل النار { ذلك بان الله نزل الكتاب بالحق } قيل: هو القرآن، وقيل: هو التوراة { وان الذين اختلفوا } قيل: هم الكفار قالوا: هو سحر، وقيل: هم اليهود والنصارى حرفوا وكتموا قوله تعالى { ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب } الآية نزلت في اليهود قيل: ان رجلا سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن البر فانزل الله تعالى هذه الآية وكان الرجل قبل الفرائض اذا اتى بالشهادتين ثم مات يطمع في الجنة فلما هاجر وفرضت الفرائض انزل الله هذه الآية وانه زعم كل واحد من الفريقين أن البر التوجه إلى قبلته فرد عليهم، وقيل: ليس البر ما أنتم عليه فانه منسوخ خارج من البر { ولكن البر } ما نبينه الذي يجب الاهتمام به وصرف الهمة اليه بهذه الأعمال. { والكتاب } جنس كتب الله والقرآن { واتى المال على حبه } يعني مع حب المال والشح به، وقيل: على حب الله تعالى { والموفون بعهدهم اذا عاهدوا } يعني عوهدوا امورا لزمتهم بعقودهم ونذورهم وأيمانهم، وقيل: ما عاهدوا الله تعالى عليه من الطاعات، وقيل: الأيمان وإيفاؤها في كفاراتها { والصابرين في البأساء } يعني الفقر والشدة { والضراء } المرض { وحين البأس } يعني حين القتال.
[2.178-182]
قوله تعالى: { يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص } روي عن ابن عباس ان الآية نزلت في حيين من العرب اقتتلوا قبل الإسلام وكان بينهم قتلا وجراحات ولأحدهما على الآخر طولا في الكبر والشرف فكانوا ينكحون نساءهم بغير مهور واقسموا لنقتلن بالعبد حرا وبالمرأة منا الرجل منهم وبالولد اثنين وجعلوا جراحاتهم ضعفين على جراحات أولئك فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى جاء الإسلام فرفعوا امرهم الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وظنوا ذلك فانزل الله تعالى هذه الآية، وقيل: نزلت في حيين من الانصار قوله تعالى: { كتب عليكم } اي فرض عليكم وهذا يقتضي الوجوب فيجب على القاتل تسليم النفس وليس له الامتناع { الحر بالحر } قيل: الحر لا يقتل بالعبد والذكر لا يقتل بالانثى يأخذ بهذه الآية مالك والشافعي وقالوا هي مفسرة لما أبهم في قوله: { النفس بالنفس } وعند أبي حنيفة واصحابه انها منسوخة بقوله تعالى: { النفس بالنفس } والقصاص ثابت بين الحر والعبد والذكر والانثى فاستدلوا بقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
" المؤمنون تتكافأ دماؤهم "
{ واداء اليه باحسان } ، قيل: على العافي الاتباع باحسان وعلى المعفو عنه الأداء إليه بإحسان { ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } قيل: كان اهل التوراة يقتلون ولا يأخذون الدية فجعل الله تعالى لهذه الأمة التخفيف ان شاء قتل وان شاء اخذ الدية وان شاء عفى { فمن اعتدى بعد ذلك } بأن قتل بعد الدية والعفو، وقيل: قتل غير قاتله، قوله تعالى: { ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب } يأيها المخاطبون { حياة } لأن من هم بالقتل فذكر القصاص ارتدع ففيه حياة اي بقاء { والألباب } العقول { لعلكم تتقون } قيل: تتقوا القتل خوف القصاص، قال جار الله: وهي الحاصلة بالارتداع من القتل من وقوع العلم بالقصاص من القاتل لأنه اذا هم بالقتل فعلم انه يقتص منه فارتدع سلم صاحبه من القتل وسلم هو من القود فكان القصاص هو سبب الحياة، وقيل: تتقون ربكم باجتناب معاصيه،قوله تعالى: { كتب عليكم اذا حضر أحدكم الموت } الآية، قيل: كانوا يوصون للأبعد طلبا للفخر ويعدلون عن الأقربين فلما نزلت آية المواريث قال (صلى الله عليه وآله وسلم):
" ان الله قد اعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث "
ذكر ذلك في نزول الآية، وقوله { اذا حضر احدكم الموت } يعني اسباب الموت من مرض وغيره، وقيل: فرض عليكم الوصية في حال الصحة { ان ترك خيرا } يعني مالا قيل: تجب { الوصية } في الكثير والقليل، وقيل: الف درهم، وقيل: خمسمائة درهم، وعن علي (عليه السلام): " اربعة آلاف درهم " { للوالدين والاقربين } قيل: كانت الوصية لهم واجبا ثم نسخ، وقيل: هي محكمة، وقيل: منسوخة فيمن يرث ثابتة فيمن لا يرث، وقيل: نسخت بآية المواريث وأولو الارحام بعضهم اولى ببعض الآية، وقيل: بالسنة وهي قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):
" ألا لا وصية لوارث "
{ بالمعروف } بالعدل وهو ان لا يوصي للغني ويدع الفقير ولا يجاوز الثلث، وقوله: { حقا } مصدر مؤكد اي ذلك حق { فمن بدله بعد ما سمعه } من الوصي والشهود { فمن خاف من موص جنفا } اي خشي، وقيل: علم يعني الذي اوصى له هو الميت ويحتمل اذا اوصى ومال عن الحق، قيل: حيث يوصي بأكثر من الثلث، وقيل: ان يعدل عن الطريق المشروعة { فأصلح بينهم } ، قيل: الوصي، وقيل: الولاة، بينهم: بين أهل الوصايا وأهل الميراث، والإصلاح ان يرد الأمر الى حقه.
[2.183-186]
نامعلوم صفحہ