[5.73-75]
{ لقد كفر الذين قالوا } من عدم تحققهم بمقام التوحيد، وعدم تنبههم بمرتبة الفناء في الله: { إن الله } المنزه عن التعدد، بل عن العدد مطلقا { ثالث ثلاثة } واحد منها وأراد بالثلاثة هو ومريم وعيسى { و } الحال أنه { ما من إله } أي: في الوجود موجود { إلا إله } موجود { واحد } محير للعقول والأبصار، ماح لظلال السوى الأغيار { وإن لم ينتهوا } هؤلاء الظلمة { عما يقولون } من التثليث والتعدد في الألوهية { ليمسن الذين كفروا منهم } أي: بقوا على كفرهم بلا إيمان إلى أن ماتوا عليه { عذاب أليم } [المائدة: 73] لا عذاب أشد منه، وهو حرمانهم عن مرتبة التوحيد التي هي مرتبة الخلافة والنيابة، أتصرون على هذا الكفر والضلال؟
{ أفلا يتوبون إلى الله } ولا يؤمنون له { و } لا { يستغفرونه } عما صدر عنهم من الجرائم العظام؟ حتى تقبل توبتهم وإيمانهم { والله } المنزه في ذاته عن كفرهم وإيمانهم { غفور } لهم إن أخلصوا في توبتهم وإيمانهم { رحيم } [المائدة: 74] لهم، يقبل توبتهم ولم يأخذهم على ما صدر عنهم بعدما تابوا.
{ ما المسيح ابن مريم إلا رسول } من الرسل العظام { قد خلت } مضت { من قبله الرسل } مثله: ولم ينسبهم أحد إلى ما نسبوه { وأمه } أيضا { صديقة } مقبولة عند الله، قد مضت مثلها كثيرة من الصادقات المقبولات، لم ينسبها أحد إلى ما نسبتموها وبالجلمة: كيف ينسبونها إلى الألوهية { كانا } مركبان { يأكلان الطعام } بدلا لا يتحلل والإله منزة عن التركيب والتحليل، والأكل والشرب، والأبوة والأمومة وغيرها من أوصاف البشر { انظر } أيها الناظر متعجبا { كيف نبين } ونوضح { لهم الآيات } الدلائل القاطعة، الدالة على عدم ليقاتها بمرتبة الألوهية، مع أنه لا حاجة إلى الدليل أصلا عند من له أدنى درية { ثم انظر } وازدد في تعجبك { أنى } كيف { يؤفكون } [المائدة: 75] يصرفون وجوه عقولهم عن طريق الحق وإسماع كلمة التوحيد.
[5.76-79]
{ قل } لهم يا أكمل الرسل إلزاما وتبكيتا: { أتعبدون } وتؤمنون { من دون الله } المتفرد بالألوهية والوجود { ما } أي: أضلالا وتماثيل { لا يملك لكم } ولا لأنفسهم { ضرا ولا نفعا } ولا وجودا، ولا حياة، بل ما هي إ لا تماثيل موهومة، وعكوس معدومة تنعكس من أشعة التجليات الإلهية، ليس لها في أنفسها أوصاف وآثار { والله } المتجلي في الآفاق بالاستحقاق { هو السميع } في مظاهره لا غيره؛ إذ لا غير { العليم } [المائدة: 76] أيضا فيها، فله الاستقلال في التصرف في ملكه وملكوته بلا مشاركة أحد ومظارته.
{ قل يأهل الكتاب } أي: النصارى { لا تغلوا في دينكم } ونبيكم { غير الحق } اقتراء ومراء، سيما بعد ظهور المبين، المؤيد، المدق { ولا تتبعوا أهوآء قوم } من أسلافكم { قد ضلوا من قبل } عن طريق الحق { و } مع ذلك لا يقتصرون على الضلال بل { أضلوا كثيرا } من ضعفائهم وعوامهم { و } هم قوم { ضلوا عن سوآء السبيل } [المائدة: 77] بلا هاد ومنبه يهديهم إليه، وما لكم تضلون عنه مع وجود المنبة المؤيد من عند الله، الهادي بالهداية العامة إلى صراط مستقيم، موصل إلى مقر التوحيد.
{ لعن } أي: طرد ، وحرم، ورد من مقر العز ومرتبة النيابة { الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم } أيضا { ذلك } الطرد واللعن { بما عصوا } على الله بعدم امتثال أوامره واجتناب نواهيه { وكانوا يعتدون } [المائدة: 78] يتجاوزون عن مرتبة الإنسانية بالخروج عما حد الله لهم، وبينه في كتابه إلى ما تهوى أنفسهم، وترضى عقولهم.
{ كانوا } من غاية غفلتهم وانهماكهم { لا يتناهون } أي: لا ينهون أنفسهم { عن منكر } مخالف للشرع { فعلوه } بعد تنبههم بمخالفته، بل يصرون عليها؛ عنادا واستكبارا، والله { لبئس ما كانوا يفعلون } [المائدة: 79] لأنفسهم ذلك المنكر، والإصرار المستجلب للعذاب والنكال.
[5.80-82]
نامعلوم صفحہ