{ ترى } أيها الرائي { كثيرا منهم يتولون } ويودون، ويوالون { الذين كفروا } أشركوا بالله ويصاحبونهم، لذلك يسري شركهم وكفرهم عليهم، والله { لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم } بسببه { وفي العذاب هم خالدون } [المائدة: 80] يشؤمه.
{ ولو كانوا } أي: هؤلاء المنافقون { يؤمنون بالله } المتوحد في ذاته { والنبي } المؤيد من عنده، المبعوث إلى كافة الخلق { وما أنزل إليه } من الفرقان الفارق بين الحق والباطل { ما اتخذوهم } أي: المشركين { أوليآء } أحياء، أصدقاء { ولكن كثيرا منهم فاسقون } [المائدة: 81] خارجون عما فيه صلاحهم، وسدادهم من الحكم والأحكام المنزلة في القرآن.
{ لتجدن } أيها الداعي للخلق إلى الحق { أشد الناس عداوة للذين آمنوا } بك ويكتابك { اليهود } الذين جبلوا على النفاق والشقاق، سيما معك، وممن تبعك { والذين أشركوا } بالله بإثبات الوجود لغيره؛ لبغضهم مع الموحدين الموفقين بتوحيد الله ووحدة ذاته، القاطعين عرق الشركة بالكلية { ولتجدن أقربهم مودة } ومحبة { للذين آمنوا الذين قالوا } للمؤمنين من محض ودادهم وصميم فؤادهم بعدما تحققوا بحقية الدين المصطفوية، والشرعة المحمدية الموصلة إلى بحر التوحيد: { إنا نصارى } ننصر دينكم ونقوي عضدكم.
{ ذلك } أي: بسبب ودادتكم ومحبتكم في قلوبهم { بأن منهم } جمعا { قسيسين } طالين للعلم اللدني الذي هو ثمرة جميع الشرائع والأديان { ورهبانا } متحققين بمرتبة العين، ومتصرفين بلا تفرج، متفرجين بلا تصرف في الأمور الدنيوية، منتظرين لظهور مرتبة الحق التي أنت تظهر به يا أكمل الرسل { وأنهم } بعدما وجدوا في وجدانهم ما وجدوا { لا يستكبرون } [المائدة: 82] عن نصرك وودادتك أيها الجامع لجميع مراتب الحق.
[5.83-86]
{ و } من غاية تشوقهم إلى مرتبة اليقين الحقي { إذا سمعوا مآ أنزل إلى الرسول } من الحكم والأحكام والتذكير، والرموز والإشارات، والعبر والأمثال، المنبئ كل منها من مرتبة اليقين الحقي { ترى } أيها الرائي { أعينهم تفيض } تسيل { من الدمع } من غاية تلذذهم، ونهاية تشوقهم بتلك المرتبة، وذلك التذلل والتشوق { مما عرفوا } بقدر وسعهم وطاقتهم { من } أمارات مرتبة { الحق } فكيف إذا تحققوا بها، وتمكنوا في مقعد الصدق.
{ يقولون } من غاية تحننهم وتشوقهم مناديا، مناجيا، قلقا، حائرا، خائفا، حذرا، راجيا: { ربنآ آمنا } صدقنا، وتحققنا بما وهبت لنا من مرتبتي العلم والعين، وبعدما تحققنا بتوفيقك بهما { فاكتبنا } بلطفك { مع الشاهدين } [المائدة: 83] المتمكنين الذين حضروا وانقطع سيرهم، وحاروا إلى أن تاهوا أو فانوا، لا إله إلا هو، كل شيء هالك إلا وجهه.
{ و } يقولون أيضا من غاية تحسرهم وتعطشهم: { ما لنا } أي: أي شيء عرض لنا { لا نؤمن } نصدق ونوقن ونذعن { بالله } المتوحد، المتجلي في الأكوان، المستغني عن الدليل والبرهان { و } لا نتبع ونمتثل { ما جآءنا من } دلائل { الحق } وبنيانه { و } مع ذلك { نطمع } ونرجو { أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين } [المائدة: 84] لتلك المرتبة.
وبعدما فزعوا إلى الله، وأخلصوا فيما أظهروا { فأثابهم الله } وأورثهم { بما قالوا } راجيا، مناجيا، متمنيا، متحسرا { جنات } منتزهات من العلم والعين والحق { تجري من تحتها الأنهار } أنهار المعارف والحقائق من ألسنة أرباب الكشف واليقين؛ ليحيي بلدة ميتا من المحجوبين المسجونين بسلاسل التلقليدات، وأغلال الدلائل والتخمينات { خالدين فيها } ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، و { وذلك } الفوز العظيم، والفضل الكريم { جزآء المحسنين } [المائدة: 85] الموصلين إلى مرتبة حق اليقينز
{ والذين كفروا } بتوحيدنا { وكذبوا بآيتنآ } الدالة عليه، المبينة لطريقة { أولئك } البعداء، المحبوسون في مضيق الإمكان { أصحب الجحيم } [المائدة: 86] لا نجاة لهم منها، ولا خلاص من غوائلها.
نامعلوم صفحہ