{ إلا الذين تابوا } ورجعوا إلى الله عما كانوا عليه مخلصين، نادمين، خائفين من بطشه، راجين من عفوه وجوده { من قبل أن تقدروا عليهم } أي: غرماؤهم، وتأخذوهم مطالبين القصاص عنهم، يسقط عنهم حق الله بالتوبة إن أخلصوا فيها { فاعلموا } أيها المؤمنون { أن الله } الموفق لهم على التوبة { غفور } لهم، يغفر ذنوبهم { رحيم } [المائدة: 34] يقبل توبتهم.
{ يا أيها الذين آمنوا } مقتضى إيمانكم التقوى عن محارم الله { اتقوا الله } عن ارتكاب ما حرم عليكم، ونهاكم عنه { وابتغوا } واطلبوا { إليه الوسيلة } المقربة إلى ذاته لتتوسلوا به إلى توحيده { وجاهدوا في سبيله } لقطع العلائق، ورفع الموانع مع القوى البشرية الشاغلة عن التوجه نحوه { لعلكم تفلحون } [المائدة: 35] تفوزون بفضاء توحيده، وصفاء تجريده وتفريده.
ثم قال سبحانه على مقتضى سنته من تعقب الوعد بالوعيد: { إن الذين كفروا } بتوحيد الله، وأصروا على ما هم عليه من الكفر والشقاق { لو } تحقق وثبت { أن لهم } ملك { ما في الأرض } من الزخارف والكنوز { جميعا ومثله معه } بل أضعاف أمثاله { ليفتدوا به } فدية، ويخلصوا { من عذاب يوم القيامة } ونكالها المترتبة على كفرهم { ما تقبل منهم } لعظم جرمهم وإصرارهم عليه، بل { ولهم } فيها { عذاب أليم } [المائدة: 36] مؤبد، لا يرجى نجاتهم أصلا.
{ يريدون } متمينا { أن يخرجوا من النار و } الحال أنه { ما هم بخارجين منها } لاستحالة الخروج من ذلك لزوم النكال { ولهم عذاب مقيم } [المائدة: 37] دائم، متجدد متلون؛ لئلا يعتادوا بنوع منه.
[5.38-40]
{ والسارق } المتجاوز عن حدود الله { والسارقة } المتجاوزة عنها { فاقطعوا } أيها الحكام { أيديهما } أي: يمينها إن أخرجا المسروق من الحرز المتعارف { جزآء بما كسبا } معهما { نكالا } عقوبة وتعذيبا { من الله } لتصرفهم في ملك الغير { والله } المتصرف المستقل في ملكه { عزيز } غالب، قادر على الانتقام { حكيم } [المائدة: 38] متقن في مقداره وتعيينه.
{ فمن تاب } ورجع إلى الله مخلصا، خائفا { من بعد ظلمه } وخروجه عن حدود الله { وأصلح } بالتوبة ما أفسد على نفسه من مجاوزة حكم الله { فإن الله } المصلح لأحوال عباده { يتوب عليه } ويقبل توبته بعدما وفقه { إن الله } الميسر لأمور عباده { غفور } لذنوبهم { رحيم } [المائدة: 39] لهم بعدما رجعوا إليه، راجين عفوهز
{ ألم تعلم } أيها الداعي للخلق إلى الحق { أن الله } المتوحد، المستقل بالألوهية والتصرف { له ملك السموت } من الكائنات والفاسدات { والأرض } وما يتكون عليها، وكذا ما بينهما من بدائع الكوائن { يعذب من يشآء } من أهل التكاليف على ما صدر عنهم من الجرائم؛ عدلا منه { ويغفر لمن يشآء } فضلا منه { والله } المتصرف بالاستقلال في ملكه { على كل شيء } من الإنعام والانتقام { قدير } [المائدة: 40] له الإرادة والاختيار، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
[5.41]
{ يأيها الرسول } البعوث بالحق على كافة الخلق بشيرا ونذيرا { لا يحزنك } صنيع الفرق { الذين يسارعون في الكفر } أي: يسرعون إليه عند الفرصة؛ لكون جبلتهم عليه وميلهم بالطبع نحوه { من } المداهنين المنافقين { الذين قالوا } حفظا لدمائهم وأموالهم: { آمنا } قولا مجردا { بأفواههم و } الحال أنه { لم تؤمن } ولم تذعن { قلوبهم } بل ختم عليها بالكفر.
نامعلوم صفحہ